كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

يَقُولُ فِي رَجُلٍ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يَمُوتَ أَبُوهُ وَأَشْهَدَ لَهُ وَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ ثُمَّ بَدَا لِلْمُتَصَدِّقِ وَقَالَ إنِّي كُنْتُ حِينَ فَعَلْتُ ذَلِكَ لَا أَدْرِي مَا أَرِثُ نِصْفًا، أَوْ رُبْعًا وَلَا أَدْرِي مَا عَدَدُ ذَلِكَ مِنْ الدَّنَانِيرِ وَلَا مِنْ الرَّقِيقِ وَلَا مَا سَعَةُ ذَلِكَ مِنْ الْأَرْضِينَ وَعَدَدِ الْأَشْجَارِ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لِي مَوْرِثِي مِنْ أَبِي وَمَا أَرِثُ مِمَّا تَرَكَ رَأَيْت ذَلِكَ كَثِيرًا وَكُنْت ظَنَنْت بِأَنَّهُ دُونَ ذَلِكَ، وَأَنَا لَا أُجِيزُ الْآنَ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ تَبَيَّنَ مَا قَالَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُسْرَ أَبِيهِ وَلَا وَفْرَهُ لِغِيبَةٍ كَانَتْ عَنْهُ رَأَيْت أَنْ يَحْلِفَ مَا ظَنَّ ذَلِكَ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَإِنْ كَانَ عَارِفًا بِأَبِيهِ وَيُسْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ ذَلِكَ جَازَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَلَى مَا أَحَبَّ، أَوْ كَرِهَ وَقَالَهُ أَصْبَغُ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا مُسْتَوْفًى فِي سَمَاعِ عِيسَى.
قُلْت: فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ إذَا وَهَبَ مِيرَاثَهُ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ لَزِمَهُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ وَهَبَهُ فِي حَالِ مَرَضِ مُوَرِّثِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لَزِمَهُ أَيْضًا وَلَا يُعْرَفُ فِيهِ نَصُّ خِلَافٍ إلَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْ سَمَاع عِيسَى وَلَيْسَ الْأَخْذُ عِنْدَهُ بِصَحِيحٍ، وَإِنْ وَهَبَهُ فِي صِحَّةِ مُوَرِّثِهِ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَلَكِنَّهُ لَا يُعْرَفُ نَصًّا فِي عَدَمِ اللُّزُومِ وَحُمِلَ سَمَاعُ عِيسَى بِعَدَمِ اللُّزُومِ عَلَيْهِ: فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ اللُّزُومِ إذَا وَهَبَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَوْ فِي الْمَرَضِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ اللُّزُومَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ هُوَ الْقِيَاسُ، وَأَمَّا كَوْنُهُ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَسْأَلَةُ الْمَوَّازِيَّةِ وَهِيَ نَصٌّ فِي اللُّزُومِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ.

وَقَالَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ وَهَبَهُ مُوَرِّثُهُ مِنْ فُلَانٍ، وَهُوَ لَا يَدْرِي كَمْ رُبُعٌ، أَوْ سُدُسٌ، أَوْ وَهَبَهُ نَصِيبَهُ مِنْ دَارٍ أَوْ جِدَارٍ وَلَا يَدْرِي كَمْ ذَلِكَ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَالْغَرَرُ فِي الْهِبَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ يَجُوزُ لَا فِي الْبَيْعِ اهـ فَظَاهِرُهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي الصِّحَّةِ، أَوْ فِي الْمَرَضِ، أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ قَالَ الْوَانُّوغِيُّ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ حِينَ الْهِبَةِ، أَوْ مَرِضَ أَمَّا لَوْ كَانَ صَحِيحًا فَلَا يَلْزَمُ الْوَاهِبَ مَا وَهَبَهُ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِمِيرَاثِهِ مِنْ أَبِيهِ إذَا مَاتَ وَالْأَبُ بَاقٍ لَا أَرَى أَنْ يَجُوزَ هَذَا وَلَا يَقْضِي بِهِ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ أَيْ لَا يَلْزَمُهُ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَلَا نُصَّ خِلَافٌ فِيهِ.
وَلَوْ وَهَبَ مِيرَاثَهُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الَّذِي مَاتَ مِنْهُ لَزِمَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رُجُوعٌ إلَّا إذَا ظَنَّهُ يَسِيرًا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَثِيرٌ فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ وَلَا نُصَّ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ اُنْظُرْ تَمَامَهُ.
قُلْت: وَقَدْ أَوْمَأَ فِي قَوْلِهِ وَلَا نُصَّ خِلَافٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُ اللُّزُومِ، وَإِنْ كَثُرَ وَمَا أَحْسَنُ قَوْلِهَا، وَلَوْ شَاءَ لَمْ يَجْعَلْ وَقَوْلُهُ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذْ لَوْ شَاءَ لَاسْتَثْبَتَ اهـ.
قُلْت: مَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْتِ الْهِبَةِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ بِالنِّسْبَةِ لِجَهْلِ قَدْرِهِ فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْجَهْلَ بِقَدْرِ الْمَوْرُوثِ لَا يُبْطِلُ الْهِبَةَ وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَنَصَّهُ مِنْ النَّوَادِرِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْعُتْبِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَعْرِفُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ هِبَةَ الْمَجْهُولِ

الصفحة 313