كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

وَهِيَ تَعْلَمُ بِفَقْرِهِ. قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهَا طَلَبُ فِرَاقِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ التَّمْكِينِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا تَزَوَّجَتْ مَنْ تَعْلَمُ فَقْرَهُ، فَقَدْ سَكَنَتْ نَفْسُهَا سُكُونًا كُلِّيًّا فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي الصَّبْرِ عَنْ ذَلِكَ كَمَا إذَا تَزَوَّجَتْ مَجْبُوبًا، أَوْ عِنِّينًا فَلَا مُطَالَبَةَ لَهَا لَفَرْطِ سُكُونِ النَّفْسِ اهـ. وَقَبِلَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَقَالَ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرٌ وَمَا اخْتَارَهُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَمَا اعْتَذَرَ بِهِ عَنْ الْمَذْهَبِ ظَاهِرٌ وَمَا فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ مَا إذَا تَزَوَّجَتْ عَالِمَةً بِفَقْرِهِ ظَاهِرٌ اهـ.
وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَ ابْنُ غَازِيٍّ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي فَصْلِ الصَّدَاقِ: أَعْنِي قَوْلَهُ لَا إنْ أَبْرَأَتْ قَبْلَ الْفَرْضِ، أَوْ أَسْقَطَتْ فَرْضًا قَبْلَ وُجُوبِهِ.
قُلْت: وَهَذَا الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْقَرَافِيُّ وَقَبِلَهُ ابْنُ الشَّاطِّ وَحَمَلَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ كَلَامَ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي فَصْلِ الصَّدَاقِ مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الْمُتَيْطِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمُوَثَّقِينَ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَرَادَتْ التَّطْلِيقَ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهَا عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُسْقِطْهَا عَنْهُ وَمُخَالِفٌ أَيْضًا لِمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ ذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ لَمَّا ذَكَرَ النَّظَائِرَ الَّتِي لَا يُفِيتُهَا الدُّخُولُ قَالَ: الرَّابِعَةُ الَّتِي تَطْلُقُ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ ثُمَّ يَكْشِفُ الْغَيْبُ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهَا عَنْهُ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو عِمْرَانَ الْجُورَائِيُّ فِي نَظَائِرِهِ فَقَالَ: وَمَنْ طَلُقَتْ عَلَيْهِ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ ثُمَّ أَثْبَتَ أَنَّهَا أَسْقَطَتْهَا عَنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي وَذَكَرَ ذَلِكَ غَيْرُهُ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي النَّظَائِرِ.
وَعَلَى ذَلِكَ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ لَمَّا ذَكَرَ النَّظَائِرَ الْمَذْكُورَةَ فِي فَصْلِ الْمَفْقُودِ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَهْذِيبِهِ فِي أَوَاخِرِ النِّكَاحِ الثَّانِي وَمِنْ الْوَاضِحَةِ إذَا رَفَعَتْ امْرَأَةُ الْغَائِبِ أَمْرَهَا إلَى الْإِمَامِ فِي النَّفَقَةِ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ حَلَّفَهَا مَا تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً وَلَا بَعَثَ إلَيْهَا نَفَقَةً وَلَا وَضَعَتْهَا عَنْهُ ثُمَّ فَرَضَ لَهَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ بِيَسِيرٍ لَمَّا تَكَلَّمَ عَنْ هِبَةِ الْمَرْأَةِ يَوْمَهَا لِضَرَّتِهَا: وَإِنَّ لَهَا الرُّجُوعَ، وَإِنَّ بَعْضَهُمْ عَلَّلَ ذَلِكَ بِكَوْنِهَا أَسْقَطَتْ شَيْئًا قَبْلَ وُجُوبِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهَا كَتَارِكِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا. مَا نَصَّهُ فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ نَظَرٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ تَرَكَتْ لَهُ الْمُطَالَبَةَ بِنَفَقَةِ حَمْلِهَا، أَوْ بِنَفَقَتِهَا هِيَ فِي نَفْسِهَا فَيَلْزَمُهَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ النَّفَقَةُ الْمُسْتَقْبَلَةُ لَمْ تَجِبْ بَعْدُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا احْتَاجَتْ لِلْوَقْتِ وَالْحَالِ؟ اهـ. وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَقَبِلَهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَسْقَطَتْ عَنْ زَوْجِهَا نَفَقَةَ الْمُسْتَقْبَلَ لَزِمَهَا ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَاخِرِ مَسَائِلِ الْأَنْكِحَةِ وَسُئِلَ أَبُو زَكَرِيَّا الْبَرْقِيُّ عَمَّنْ الْتَزَمَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ أَنَّهَا لَا تَطْلُبُهُ بِنَفَقَةٍ مَا دَامَ غَائِبًا عَنْهَا، وَلَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ بَلَدِهَا وَهِيَ فِي صَفَاقُسَ فَغَابَ عَنْهَا وَمُسْتَقَرُّهُ تُونُسُ فَطَوَّلَ الْغَيْبَةَ، وَلَمْ تَعْلَمْ أَيْنَ هُوَ فَرَفَعَتْ أَمْرَهَا وَشَكَتْ الضَّرُورَةَ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ

الصفحة 323