كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

أَوْ أَنْ لَا يَتَسَرَّى، أَوْ أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا، أَوْ مِنْ بَيْتِهَا، أَوْ أَنْ لَا يَغِيبَ عَنْهَا، فَهَذَا النَّوْعُ لَا يَفْسُدُ بِهِ النِّكَاحُ وَلَا يَقْتَضِي فَسْخَهُ لَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَا بَعْدَهُ، فَإِنْ اشْتَرَطَ الزَّوْجُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُعَلِّقَهُ بِطَلَاقٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ تَمْلِيكٍ أَمْ لَا، فَإِنْ عَلَّقَهُ بِطَلَاقٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ تَمْلِيكٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْهَا فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ فَالزَّوْجَةُ طَالِقٌ، أَوْ فَأَمْرُهَا بِيَدِهَا، أَوْ بِيَدِ أَبِيهَا، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ أَمْرُ الدَّاخِلَةِ بِيَدِ الزَّوْجَةِ الْأُولَى أَوْ بِيَدِ أَبِيهَا، أَوْ إنْ تَسَرَّيْت عَلَيْهَا فَالسُّرِّيَّةُ حُرَّةٌ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ أَسْقَطَتْ مِنْ صَدَاقِهَا لِذَلِكَ شَيْئًا، أَوْ لَمْ تُسْقِطْ وَسَوَاءٌ شَرَطَتْ ذَلِكَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، أَوْ تَطَوَّعَ بِهِ الزَّوْجُ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ مَا شَرَطَ وَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَسْقَطَتْهُ مِنْ صَدَاقِهَا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا قَدْ حَصَلَ كَمَا لَوْ قَالَتْ أَسْقَطْت عَنْك مِائَةً مِنْ صَدَاقِي عَلَى أَنَّك إنْ تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَأَنَا طَالِقٌ، أَوْ فَالزَّوْجَةُ طَالِقٌ، فَإِنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَلَا رُجُوعَ لَهَا بِمَا أَسْقَطَتْ.
وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ النِّكَاحِ عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ لَا يَحِلُّ الشَّرْطُ ابْتِدَاءً، فَإِنْ وَقَعَ جَازَ النِّكَاحُ وَلَزِمَ الشَّرْطُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُكْرَهُ الْعَقْدُ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ أَجَازَ ذَلِكَ سَحْنُونٌ ابْتِدَاءً وَزَوَّجَ غُلَامَهُ أَمَتَهُ عَلَى أَنَّهُ إنْ سَرَقَ زَيْتُونَهُ كَانَ أَمْرُ امْرَأَتِهِ بِيَدِهِ، وَأَنْكَرَ ابْنُ بَشِيرٍ عَلَى اللَّخْمِيِّ وُجُودَ هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ فِعْلُ سَحْنُونٌ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَخَفُّ مِثْلُ هَذَا لِلضَّرُورَةِ أَيْضًا، فَإِنَّ فِعْلَ أَحَدٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ إلَّا مَنْ وَجَبَتْ لَهُ الْعِصْمَةُ.
قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ فِيمَا قَالَهُ ابْنُ بَشِيرٍ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ تَزَلْ تَسْتَدِلُّ عَلَى مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ بِأَفْعَالِهِمْ لَا سِيَّمَا مِثْلُ سَحْنُونَ الَّذِي هُوَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ وَرَعًا بَلْ فِعْلُ أَهْلِ الْوَرَعِ أَقْوَى فِي الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ يُفْتِي الْغَيْرَ بِالْجَوَازِ وَيَتَوَرَّعُ هُوَ عَنْ فِعْلِهِ وَقَوْلُ ابْنِ بَشِيرٍ إنَّ فِعْلَ أَحَدٍ لَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ إنْ أَرَادَ بِهِ لَا يَكُونُ حُجَّةً فَصَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ الْجَوَازُ فَمَمْنُوعٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ.
وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَقَالَ بَعْدَهُ: وَكَذَلِكَ تَلَقَّى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الشُّيُوخِ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ بِالْقَبُولِ اهـ. يَعْنِي قَوْلَهُ عَنْ سَحْنُونَ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَعَقُّبَ ابْنُ بَشِيرٍ عَلَى اللَّخْمِيِّ قَالَ الَّذِي وَجَدَتْهُ فِي التَّبْصِرَةِ هُوَ مَا نَصُّهُ قَالَ سَحْنُونٌ فِيمَنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ أَمَتَهُ إلَخْ، وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ فَتْوَى بِالْجَوَازِ وَدَعْوَى أَنَّ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا إلَّا بِدَلِيلٍ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الَّذِي فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ وَاحِدَةٌ مِنْهَا نُسْخَةٌ عَتِيقَةٌ مَشْهُورَةٌ بِالصِّحَّةِ عَلَيْهَا آثَارُ الْمُقَابَلَةِ وَاضِحَةٌ مَا نَصَّهُ وَأَجَازَ سَحْنُونٌ ابْتِدَاءً وَزَوَّجَ غُلَامَهُ أَمَتَهُ إلَخْ، وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ بَشِيرٍ نَصًّا سَوَاءٌ اهـ. كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ.
قُلْت: وَقَدْ رَأَيْت نُسْخَةً مِنْ التَّبْصِرَةِ فِيهَا مِثْلُ مَا ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ وَلَا عِتْقٍ وَلَا تَمْلِيكٍ فَالشَّرْطُ مَكْرُوهٌ وَلَا يَلْزَمُ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْوَفَاءُ

الصفحة 335