كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

بَائِنًا وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تُسَلِّفَهُ وَلَا أَنْ تُؤَجِّرَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا خَالَعَهَا عَلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهَا مَالًا يَجِبُ قَبُولُهُ مِنْ السَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُك.
وَأَمَّا إنْ خَالَعَهَا عَلَى أَنَّهُ لَا سُكْنَى لَهَا، فَإِنْ أَرَادَ إلْزَامَهَا كِرَاءَ الْمَسْكَنِ، وَهُوَ لِغَيْرِهِ، أَوْ لَهُ وَسَمَّى الْكِرَاءَ لَزِمَهَا ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ عَلَى أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَسْكَنِهِ تَمَّ الْخُلْعُ وَلَا تَخْرُجُ وَلَا كِرَاءَ لَهُ عَلَيْهَا قَالَهُ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ أَرَى عَلَيْهَا الْأَقَلَّ مِنْ كِرَاءِ الْمَسْكَنِ، أَوْ مَا كَانَتْ تُكْتَرَى بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ انْتِقَالُهَا لِمَسْكَنٍ لَهَا أَوْ لِأَبِيهَا وَلَا كِرَاءَ لَهُ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ وَمَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا خَالَعَهَا عَلَى أَنَّ عَلَيْهَا نَفَقَةَ نَفْسِهِ، أَوْ نَفَقَةَ غَيْرِهِ، أَوْ نَفَقَةَ وَلَدِهَا الصَّغِيرِ أَكْثَرَ مِنْ حَوْلَيْنِ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَنَصُّهُ، وَإِنْ أَعْطَتْهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ وَيَشْتَرِطَ الرَّجْعَةَ، أَوْ خَالَعَهَا وَشَرَطَ أَنَّهَا إنْ طَلَبَتْ شَيْئًا مِنْهُ عَادَتْ زَوْجَتَهُ أَوْ شَرَطَ رَجْعَتَهَا فَشَرْطُهُ بَاطِلٌ وَالْخُلْعُ يَلْزَمُهُ وَلَا رَجْعَةَ لَهُ إلَّا نِكَاحًا مُبْتَدَأً قَالَ ابْنُ يُونُسَ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ لَا يَحِلُّ سُنَّةَ الْخُلْعِ قَالَهُ مَالِكٌ اهـ.

(فَرْعٌ) : وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا وَقَعَ فِي سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابٍ فِيمَنْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنْ تَخْرُجَ لِبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ أَخَذَ مِنْهَا عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا أَمْ لَا فَأَبَتْ أَنْ تَخْرُجَ فَهِيَ عَلَى خُلْعِهَا وَلَا تُجْبَرُ عَلَى الْخُرُوجِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَقْدٌ يُشْبِهُ عَقْدَ الْبَيْعِ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ بِهِ نَفْسَهَا كَمِلْكِهَا زَوْجَهَا بِالنِّكَاحِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَلْزَمَ الشَّرْطُ فِيهِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْبَلَدِ وَالْإِقَامَةِ فِيهِ، أَوْ تَرْكِ النِّكَاحِ وَشَبَهِهِ مِنْ تَحْجِيرِ الْمُبَاحِ كَمَا هُوَ كَذَلِكَ اهـ.

[الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَيْعِ]
وَقَدْ جَعَلَهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ أَقْسَامِ الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَيْعِ) شَرْطُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالْقِيَامِ بِالْعَيْبِ وَرَدِّ الْعِوَضِ عِنْدَ انْتِقَاضِ الْبَيْعِ، أَوْ مَا لَا يَقْتَضِيهِ وَلَا يُنَافِيهِ لِكَوْنِهِ لَا يَئُولُ إلَى غَرَرٍ وَفَسَادٍ فِي الثَّمَنِ وَالْمَثْمُونِ وَلَا إلَى إخْلَالٍ بِشَرْطٍ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ كَالْأَجَلِ وَالْخِيَارِ وَالرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ وَبَيْعِ الدَّارِ وَاسْتِثْنَاءِ سُكْنَاهَا أَشْهُرًا مَعْلُومَةً، أَوْ سَنَةً وَكَبَيْعِ الدَّابَّةِ وَاسْتِثْنَاءِ رُكُوبِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ إلَى مَكَان قَرِيبٍ، فَهَذَا الْقِسْمُ مِنْ الشُّرُوطِ صَحِيحٌ لَازِمٌ يُقْضَى بِهِ مَعَ الشَّرْطِ وَلَا يُقْضَى بِهِ بِدُونِ شَرْطٍ إلَّا مَا كَانَ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهِ، وَلَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ وَيَتَأَكَّدُ مَعَ الشَّرْطِ.

الصفحة 338