كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

فَرْعٌ) : قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الضَّرَرِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِيمَنْ لَهُ دَارَانِ بَاعَ إحْدَاهُمَا وَشَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَرْفَعَ عَلَى الْحَائِطِ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا شَيْئًا مَخَافَةَ أَنْ يُظْلِمَ عَلَيْهِ دَارِهِ وَيَمْنَعَهُ مِنْ دُخُولِ الشَّمْسِ فِيهَا فَالْتَزَمَهُ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ وَالشَّرْطَ لَازِمٌ اهـ. وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ سَهْلٍ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَذَكَرَهَا الْمُتَيْطِيُّ قَبْلَ بَابِ الْأَرْضِ لِزَرْعِهَا.

(فَرْعٌ) وَمِنْ ذَلِكَ بَيْعُ الْجَارِيَةِ وَاشْتِرَاطُ رَضَاعِ وَلَدِهَا وَنَفَقَتِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي سَنَةً عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَ الْوَلَدُ أَرْضَعَ لَهُ آخَرَ، وَإِنْ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ جَاءَ الْمُشْتَرِي بِأُخْرَى تُرْضِعُ الْوَلَدَ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ أَيْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الشَّرْطَيْنِ إنْ مَاتَتْ أَتَوْا بِأُخْرَى، وَإِنْ مَاتَ الرَّضِيعُ أَرْضَعُوا لَهُ آخَرَ وَأَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ إنْ مَاتَتْ أَتَوْا بِأُخْرَى كَوْنَ الرَّضَاعِ مَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي جَازَ الْبَيْعُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ أَرَادُوا بِذَلِكَ كَوْنَ الرَّضَاعِ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ مَا لَمْ تَمُتْ، وَإِنْ مَاتَتْ أَتَوْا بِخُلْفِهَا لَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ شَرَطُوا أَنَّ الرَّضَاعَ يَبْطُلُ بِمَوْتِهَا أَوْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْبَائِعُ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ دَخَلَهُ التَّحْجِيرُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْأَمَةِ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِمَا يَجُوزُ لِذِي الْمِلْكِ فِي مِلْكِهِ مِنْ أَجْلِ الشَّرْطِ، وَإِنْ شَرَطُوهُ فِي عَيْنِ الصَّبِيِّ وَمَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي دَخَلَهُ الْغَرَرُ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِمَوْتِ الصَّبِيِّ.
وَاخْتُلِفَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي الشَّرْطِ نِيَّةٌ فَحَمَلَهُ هُنَا عَلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا فِي عَيْنِ الْأَمَةِ فَأَجَازَهُ وَحَمَلَهُ بَعْدَهُ فِي آخِرِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ بَعْدَ هَذَا عَلَى أَنَّهُ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ فَلَمْ يُجِزْهُ وَاخْتُلِفَ إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى إنْ مَاتَ الصَّبِيُّ أَرْضَعُوا لَهُ آخَرَ، وَلَمْ يَنُصُّوا عَلَى أَنَّ الرَّضَاعَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَقُولُوا: إنْ مَاتَتْ أَتَوْا بِأُخْرَى بَلْ سَكَتُوا عَنْ ذَلِكَ فَحَمَلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْمَضْمُونِ فَأَجَازَهُ وَحَمَلَهُ سَحْنُونٌ عَلَى أَنَّهُ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ فَلَمْ يُجِزْهُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الضَّرُورَةِ، مِثْلُ أَنْ يُرْهِقَهُ دَيْنٌ فَتُبَاعَ فِيهِ عَلَيْهِ وَتَأَوَّلَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهُ أَجَازَهُ مَعَ كَوْنِ الرَّضَاعِ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ وَقَالَ كَيْفَ يُجِيزُ هَذَا، وَهُوَ لَا يُجِيزُ الْإِجَارَةَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ ابْنَ الْقَاسِمِ اعْتِرَاضُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُجِزْهُ بَلْ حَمَلَ الْأَمْرَ فِي السُّكُوتِ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ الرَّضَاعَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا فِي عَيْنِ الْأَمَةِ اهـ.
وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ إذَا اشْتَرَطَ الرَّضَاعَ فِي عَيْنِ الْأَمَةِ بِمَعْنَى أَنَّهَا تُرْضِعُهُ مَا دَامَتْ حَيَّةً، فَإِذَا مَاتَتْ أَتَى الْمُشْتَرِي بِخُلْفِهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْجِيرًا عَلَى الْمُشْتَرِي أَصْلُهُ لِلشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ بِلَفْظِ قِيلَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ رَادًّا لَهُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى بَيْعِهَا بِأَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي الرَّضَاعَ أَيْضًا وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ هُوَ الظَّاهِرُ أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي رَضَاعَ الصَّبِيِّ، وَلَوْ شَرَطَ الرَّضَاعَ

الصفحة 339