كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

قُلْت: مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِإِنْظَارِ الْمُعْسِرِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالنُّزُولِ. وَأَمَّا الدُّخُولُ عَلَى ذَلِكَ ابْتِدَاءً فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْهُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الصَّدَاقِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى تَأْجِيلِهِ إلَى مَوْتٍ، أَوْ فِرَاقٍ قَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الشَّيْخَ عَبْدَ اللَّهِ الْمَنُوفِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِقَوْمٍ مِنْهَا مَنْعُ مَنْ يَشْتَرِي سِلْعَةً إلَى الْمَيْسَرَةِ كَقَوْلِ بَعْضِ الْفُقَرَاءِ إلَى أَنْ يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيَّ بِالثَّمَنِ، وَهَذَا إذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ ابْتِدَاءً فَهُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْحُلُولِ اهـ. وَكَأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يَقِفْ عَلَى النَّصِّ الْمُتَقَدِّمِ وَكَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ الْفَرْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا إذَا اشْتَرَى سِلْعَةً بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ فَالثَّمَنُ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ قَالَ فِي النَّوَادِرِ فَهُوَ غَرَرٌ لَا يَحِلُّ اهـ.
وَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ يُفْسَخُ الْبَيْعُ وَتُرَدُّ السِّلْعَةُ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً، وَإِنْ فَاتَتْ فَالْقِيمَةُ يَوْمَ قَبْضِهَا قَالَ وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ سَافَرَ قَبْلَ الْأَجَلِ فَالثَّمَنُ عَلَيْهِ حَالٌّ، فَإِنَّهُ يُفْسَخُ إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً، فَإِنْ فَاتَتْ فَفِيهَا الْقِيمَةُ يَوْمَ قَبْضِهَا قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ أَيْضًا قَالَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ حَمِيلًا إنْ سَافَرَ قَبْلَ الْأَجَلِ قَالَ: وَإِنْ بَاعَ عَبْدًا إلَى أَجَلٍ وَشَرَطَ إنْ لَمْ يُقْبِضْهُ الثَّمَنَ فِي الْأَجَلِ فَالْعَبْدُ حُرٌّ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي بَيْعُ الْعَبْدِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ، فَإِنْ قَضَاهُ وَإِلَّا عَتَقَ، وَإِنْ حَلَّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ رَقَّ وَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا وَقَعَ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ فِيمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً وَشَرَطَ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَنَّهُ إنْ ادَّعَاهَا مُدَّعٍ فَثَمَنُهَا رَدٌّ عَلَيَّ بِغَيْرِ خُصُومَةٍ قَالَ لَا يُعْجِبُنِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَطَ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ لَا يُعْجِبُنِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ بَيْعًا فَاسِدًا لِمَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ الشَّرْطِ وَذَلِكَ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّهُ غَرَرٌ وَقَوْلُهُ اشْتَرَطَ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ خِلَافَ مَا أَوْجَبَهُ الْكِتَابُ وَقَرَّرَهُ الشَّرْعُ الْمُبِينُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ أَحَدًا بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى دُونَ بَيِّنَةٍ اهـ. مُخْتَصَرًا.
قُلْت: وَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنْ تُرَدَّ السِّلْعَةُ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً، فَإِنْ فَاتَتْ فَالْقِيمَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) وَمِنْ ذَلِكَ بَيْعُ الْأَرْضِ الْمُوَظَّفَةِ أَيْ الَّتِي عَلَيْهَا خَرَاجٌ يُسَلِّمُهُ الْمُشْتَرِي كُلَّ سَنَةٍ، وَقَدْ أَطَالَ الْمُوَثِّقُونَ الْكَلَامَ فِيهَا وَلَخَصَّ ابْنُ عَرَفَةَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا قُرِّرَ عَلَيْهَا عِنْدَ إحْيَائِهَا، أَوْ قُرِّرَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْإِحْيَاءِ وَقَالَ إنَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ شِرَاءُ الْأَرْضِ الَّتِي قُرِّرَ عَلَيْهَا شَيْءٌ عِنْدَ إحْيَائِهَا قَالَ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ

الصفحة 343