كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

بِأَرْضِ الْخَرَاجِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَالَ: وَأَمَّا الَّتِي قُرِّرَ عَلَيْهَا شَيْءٌ بَعْدَ إحْيَائِهَا فَهِيَ الَّتِي يُسَمِّيهَا الْمُوَثِّقُونَ أَرْضَ الْوَظِيفَةِ وَأَرْضَ الطَّبْلِ وَفِيهِ خِلَافٌ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِلْجَهْلِ فِي الثَّمَنِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الشُّرُوطِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَيْعِ) مَا يَكُونُ مُنَافِيًا لِمُقْتَضَى عَقْدِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْجِيرًا عَلَى الْمُشْتَرِي فِي السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَهِيَ بُيُوعُ الشُّرُوطِ الْمُسَمَّاةِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِبَيْعِ الثُّنْيَا قَالَ: مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَبِيعُهَا، أَوْ لَا يَهَبُهَا، أَوْ عَلَى أَنْ يَتَّخِذَ الْجَارِيَةَ أُمَّ وَلَدٍ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَخْرُجَ بِهَا مِنْ الْبَلَدِ، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَعْزِلَ عَنْهَا، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُرْكِبَهَا الْبَحْرَ أَوْ عَلَى أَنَّهُ إنْ بَاعَ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي يَبِيعُهَا بِهِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ فِيهَا بِالْخِيَارِ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ لَا يَجُوزُ الْخِيَارُ إلَيْهِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي تَقْتَضِي التَّحْجِيرَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَاهَا قَالَ: فَهَذَا النَّوْعُ اُخْتُلِفَ فِيهِ إذَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُفْسَخُ مَا دَامَ الْبَائِعُ مُتَمَسِّكًا بِشَرْطِهِ، فَإِنْ تَرَكَ الشَّرْطَ صَحَّ الْبَيْعُ هَذَا إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً، فَإِنْ فَاتَتْ كَانَ فِيهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ الْقِيمَةِ يَوْمَ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا فَاتَتْ السِّلْعَةُ بِمِقْدَارِ مَا نَقَصَهُ مِنْ الثَّمَنِ بِسَبَبِ الشَّرْطِ وَذَلِكَ بِأَنْ تَقُومَ السِّلْعَةُ بِالشَّرْطِ وَبِغَيْرِ الشَّرْطِ فَمَا كَانَ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ الْأَجْزَاءِ يَرْجِعُ الْبَائِعُ بِذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْ الثَّمَنِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْبُيُوعِ حُكْمُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي قِيَامِ السِّلْعَةِ وَتَكُونُ فِيهِ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فِي الْفَوَاتِ.
قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْبَابِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ شِرَاءُ السِّلْعَةِ عَلَى الْخِيَارِ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ لَا يَجُوزُ الْخِيَارُ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُفْسَخُ الْبَيْعُ فِيهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَا يَمْضِي الْبَيْعُ إنْ رَضِيَ مُشْتَرِطُ الْخِيَارِ بِتَرْكِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِذَلِكَ لَيْسَ بِتَرْكٍ مِنْهُ لِلشَّرْطِ، وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِيَارٌ لِلْبَيْعِ عَلَى الْخِيَارِ الْفَاسِدِ اهـ.
قُلْت: وَلِهَذَا ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَجَعَلْنَاهَا مِمَّا يُؤَدِّي إلَى خَلَلٍ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إلَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ فِي الْبَيَانِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ هَذَا حُكْمُ هَذَا الْبَابِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: إذَا بَاعَ الْأَمَةَ وَشَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ، أَوْ فَعَبْدُهُ حُرٌّ أَوْ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، أَوْ صِيَامٌ، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا، فَهَذَا يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى حُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَلَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَتْرُكَ الشَّرْطَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا يَمِينٌ قَدْ لَزِمَتْ الْمُشْتَرِيَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْقِطَهَا عَنْهُ عَلَى مَا يَأْتِي فِي رَسْمِ الْعُشُورِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى.
وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارَ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ

الصفحة 344