كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْمُقَدِّمَاتِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَعَزَا الْأُولَى لِلْمُقَدِّمَاتِ وَالثَّانِيَةَ لِرَسْمِ الْعُشُورِ، وَقَدْ اسْتَثْنَاهُمَا جَمِيعًا فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ كَمَا ذَكَرْنَا وَكَلَامُهُ فِيهِ أَحْسَنُ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَأَبْيَنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَكْمِيلٌ) يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْقِسْمِ بَيْعُ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِشَرْطِ تَنْجِيزِ الْعِتْقِ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ وَذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَشْتَرِيَهُ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ بِالشِّرَاءِ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَقُ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَأَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ فِي الْعِتْقِ، أَوْ يَشْتَرِطُ الْعِتْقَ وَلَا يُفِيدُهُ بِإِيجَابٍ وَلَا خِيَارٍ قَالَ وَأَيُّ ذَلِكَ كُلِّهِ كَانَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا يَفْتَرِقُ الْجَوَابُ فِي صِفَةِ وُقُوعِ الْعِتْقِ وَفِي شَرْطِ النَّقْدِ.
فَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ مَا إذَا بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ، فَإِنَّهُ يَكُونُ حُرًّا بِنَفْسِ الْبَيْعِ قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ وَلَا خِيَارَ فِي ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ عِتْقٍ، وَإِنْ مَاتَ بِفَوْرِ الْعَقْدِ مَاتَ حُرًّا يَرِثُ وَيُوَرَّثُ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ اهـ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا إذَا بَاعَهُ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي وَأَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ اللَّخْمِيُّ إذَا كَانَ الشَّرْطُ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي وَالْتَزَمَ ذَلِكَ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يُوقِعَ الْعِتْقَ، فَإِنْ أَلَدَّ أَعْتَقَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ إذَا بَاعَهُ عَلَى أَنْ يَعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي فَلَا يُعْتَقُ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ، وَإِنَّمَا يُعْتَقُ بِعِتْقٍ جَدِيدٍ لَكِنْ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ عَلَى إيجَابِ الْعِتْقِ اشْتَرَى فَإِمَّا أَعْتَقَهُ وَإِلَّا أَعْتَقَهُ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ وَالنَّقْدُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ جَائِزٌ بِشَرْطٍ وَبِغَيْرِ شَرْطٍ اهـ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ فِي الْعِتْقِ، فَإِنْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ النَّقْدَ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ لِلْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً بَيْعٌ وَتَارَةً سَلَفٌ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْبَائِعُ النَّقْدَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ قَدْرَ مَا يَسْتَخِيرُ فِيهِ وَيَسْتَشِيرُ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْعِتْقِ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ لَمْ يَعْتِقْهُ فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ فِي أَنْ يَرُدَّ عَبْدَهُ وَيَنْقُضَ الْبَيْعَ، أَوْ يَتْرُكَ الشَّرْطَ وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ: وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِإِيجَابٍ وَلَا خِيَارٍ فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخِيَارَ فِي ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْعِتْقِ وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ عَلَى إيجَابِ الْعِتْقِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَبِهِ أَخَذَ سَحْنُونٌ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعِتْقِ إذَا امْتَنَعَ مِنْهُ، فَإِنْ أَلَدَّ أَعْتَقَهُ الْحَاكِمُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَيَجُوزُ النَّقْدُ بِشَرْطٍ وَبِغَيْرِ شَرْطٍ.
وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ الْأَمَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ، أَوْ بِقُرْبٍ فَلَا كَلَامَ لِلْبَائِعِ وَسَوَاءٌ كَانَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ بَعْدَ قِيَامِ الْبَائِعِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَطَلَبِهِ مِنْهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْعِتْقُ قَبْلَ حُصُولِ عَيْبٍ فِي الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ

الصفحة 345