كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا يَفُوتُ الْعَبْدُ وَالْأَمَةُ إلَّا بِالْعُيُوبِ الْمُفْسِدَةِ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَصْبَغَ. وَقِيلَ: يَحْصُلُ الْفَوَاتُ بِحَوَالَةِ الْأَسْوَاقِ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا فَاسِدًا.
قُلْت: وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي عَزَاهُ اللَّخْمِيُّ لِرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ.

(تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ الْمَذْكُورِ وَجْهُ الْعَمَلِ فِي التَّوَصُّلِ إلَى مَعْرِفَةِ مَا نَقَصَ الشَّرْطُ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ، أَوْ الْأَمَةِ أَنْ يُقَوَّمَ الْمَبِيعُ بِالشَّرْطِ وَبِغَيْرِ الشَّرْطِ وَيُنْظَرُ مَا نَقَصَهُ الشَّرْطُ فَيُؤْخَذُ بِمِثْلِهِ مِنْ الثَّمَنِ. وَقَالَ أَصْبَغُ: يُرْجَعُ بِمَا نَقَصَ مِنْ الشَّرْطِ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الشِّرَاءِ إلَّا أَنْ يُقَارِبَ ذَلِكَ الثَّمَنَ الَّذِي بِيعَ بِهِ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الشِّرَاءِ بِغَيْرِ شَرْطٍ قَرِيبَةً مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بِيعَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ بِكَثِيرٍ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا زَادَتْ الْقِيمَةُ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ وَقَوْلُ مَالِكٍ أَصَحُّ فِي الْمَعْنَى مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ يَكُونُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ، أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ أَقَلَّ اهـ.
قُلْت: مَا عَزَاهُ ابْنُ رُشْدٍ لِمَالِكٍ خِلَافُ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِيهَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ: وَمَنْ ابْتَاعَ أَمَةً عَلَى تَعْجِيلِ الْعِتْقِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ تَعَجَّلَ الشَّرْطَ بِمَا وَضَعَ مِنْ الثَّمَنِ فَلَمْ يَقَعْ فِيهِ غَرَرٌ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَعْتِقَ، فَإِنْ اشْتَرَى عَلَى إيجَابِ الْعِتْقِ لَزِمَهُ الْعِتْقُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِيجَابِ لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقٌ وَكَانَ لِلْبَائِعِ تَرْكُ الْعِتْقِ وَتَمَامُ الْبَيْعِ، أَوْ يَرُدُّ الْبَيْعَ، فَإِنْ رَدَّ الْبَيْعَ بَعْدَ أَنْ فَاتَتْ فَلَهُ الْقِيمَةُ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا يَرُدُّ الْبَيْعَ وَيَلْزَمُهُ الْعِتْقُ لِمَا شَرَطَ.
قَالَ ابْنُ يُونُسَ لَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ يَعْنِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَقَبِلَهُ وَقَالَ بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِيُكْمِلَ لِلْبَائِعِ مَا وَضَعَ مِنْ الثَّمَنِ لِمَكَانِ الْعِتْقِ وَقَوْلُهُ لَهُ الْقِيمَةُ يُرِيدُ يَوْمَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ اهـ.
قُلْت: وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَبْيَنُ وَيُفَسَّرُ بِهِ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ النَّقْدِ فِي هَذَا الْوَجْهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ تَارَةً ثَمَنًا وَتَارَةً سَلَفًا وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَأْخِيرِ الْعِتْقِ إلَى الْأَمَدِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَلَا يَجُوزُ الدُّخُولُ ابْتِدَاءً عَلَى تَأْخِيرِ الْعِتْقِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ عَلَى تَعْجِيلِ الْعِتْقِ، فَإِنْ وَقَعَ التَّرَاخِي مِنْ الْمُشْتَرِي فَالتَّفْصِيلُ فِيهِ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ ابْنُ يُونُسَ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ.

(الثَّالِثُ) سَوَّى فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَالشِّرَاءِ وَالْعِدَةِ بِالْعِتْقِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَمُسَاوَاتُهُ صَحِيحَةٌ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ أَنْ يَقُولَ: الْبَائِعُ لِلْمُبْتَاعِ أَبِيعُهَا مِنْك بِكَذَا وَكَذَا عَلَى أَنْ تُعْتِقَهَا وَالْعِدَةُ أَنْ يَقُولَ: الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ بِعْهَا مِنِّي، وَأَنَا أَعْتِقُهَا، أَوْ بِعْهَا مِنِّي بِكَذَا وَكَذَا، وَأَنَا أَعْتِقُهَا، وَإِذَا قَالَ ذَلِكَ الْمُبْتَاعُ لِلْبَائِعِ فَبَاعَهُ الْبَائِعُ عَلَى مَا وَعَدَهُ فَكَأَنَّهُ قَدْ اشْتَرَطَهُ إذْ لَمْ

الصفحة 347