كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

يَبِعْهُ إلَّا عَلَى مَا وَعَدَهُ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْعِدَةَ بِخِلَافِ الشَّرْطِ فَلَا تَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ وَلَا يَكُونُ لِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ.

(الرَّابِعُ) هَذَا كُلُّهُ إذَا بَاعَهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ النَّاجِزِ، وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ الْمُؤَجَّلِ، أَوْ الْكِتَابَةِ، أَوْ التَّدْبِيرِ، أَوْ اتِّخَاذُ الْأَمَةِ أُمَّ وَلَدٍ فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلتَّحْجِيرِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلِلْغَرَرِ وَالْجَهْلِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ وَضَعَ مِنْ الثَّمَنِ لِأَمْرٍ قَدْ يَكُونُ، وَقَدْ لَا يَكُونُ وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ الْمَشْهُورُ يُفْسَخُ الْبَيْعُ مَا دَامَ الْبَائِعُ مُتَمَسِّكًا بِشَرْطِهِ، فَإِنْ تَرَكَ شَرْطَهُ صَحَّ الْبَيْعُ، وَهَذَا مَا لَمْ يَفُتْ الْمَبِيعُ، فَإِنْ فَاتَ كَانَ فِيهِ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لَا بُدَّ مِنْ فَسْخِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ.
(تَنْبِيهٌ) مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ اشْتِرَاطِ الْعِتْقِ الْمُؤَجَّلِ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَأَطْلَقَ، وَكَذَا أَطْلَقَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَيَّدَهُ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ أَيْ أَجَلُ بَعِيدٌ، وَأَمَّا الْقَرِيبُ جِدًّا فَكَحُكْمِ الْعِتْقِ النَّاجِزِ اهـ.
قُلْت: وَهُوَ تَقْيِيدٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لِلْغَرَرِ، وَإِذَا كَانَ الْأَجَلُ قَرِيبًا جِدًّا كَانَ مِنْ الْغَرَرِ الْخَفِيفِ الْمُغْتَفَرِ فِي الْبَيْعِ، وَقَدْ أَجَازُوا بَيْعَ الْعَبْدِ وَاسْتِثْنَاءَ خِدْمَتِهِ الْأَيَّامَ الْيَسِيرَةَ كَالْعَشَرَةِ، أَوْ أَقَلَّ فَكَذَلِكَ هُنَا إذَا شَرَطَ الْعِتْقَ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ، أَوْ أَقَلَّ جَازَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْخَامِسُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قَالَ مَالِكٌ لَا أُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ مَالًا عَلَى تَدْبِيرِ عَبْدِهِ، فَإِنْ نَزَلَ مَضَى التَّدْبِيرُ وَيُرَدُّ إلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ جَوَابُ مَالِكٍ عَلَى أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ مِمَّنْ يُدَبِّرُهُ، وَلَوْ أَخَذَ مَالًا مِنْ رَجُلٍ عَلَى أَنْ يُدَبِّرَ عَبْدَهُ فَدَبَّرَهُ فَلْيَرُدَّ الْمَالَ وَيُنَفِّذَ التَّدْبِيرَ، وَكَذَلِكَ مَا أَخَذَ عَلَى اتِّخَاذِ الْأَمَةِ أُمَّ وَلَدٍ ثُمَّ اتَّخَذَهَا كَمَا يَرْجِعُ لَوْ بَاعَهَا عَلَى ذَلِكَ يَرْجِعُ بِمَا وَضَعَهُ اهـ. مُخْتَصِرًا بِالْمَعْنَى.

(السَّادِسُ) قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ كَالْعِتْقِ، فَإِنْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّهُ صَدَقَةٌ لِفُلَانٍ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى فُلَانٍ وَالْتَزَمَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ جَازَ الْعَقْدُ وَالنَّقْدُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ فِي إنْفَاذِ الصَّدَقَةِ جَازَ الْعَقْدُ دُونَ النَّقْدِ وَيُخْتَلَفُ إذَا أَطْلَقَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْتِزَامٍ وَلَا بِخِيَارٍ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ بَاعَ مِنْ امْرَأَتِهِ خَادِمًا بِشَرْطِ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى وَلَدِهِ ذَلِكَ جَائِزٌ وَلَا تَلْزَمُهَا الصَّدَقَةُ بِالْحُكْمِ وَلِلْبَائِعِ بِالْخِيَارِ إنْ لَمْ تَتَصَدَّقْ هِيَ بِهَا إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَعَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ تَلْزَمُهَا الصَّدَقَةُ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعٍ وَشَرْطٍ.
قُلْت: وَهَذَا إذَا كَانَتْ الصَّدَقَةُ، أَوْ الْهِبَةُ مُنْجَزَةً، أَوْ مُؤَجَّلَةً إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعِتْقِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مُؤَجَّلَةً إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ فَلَا يَجُوزُ لِلْغَرَرِ، وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ الْمُلْتَزَمُ فِي صَدَقَتِهِ، أَوْ هِبَتِهِ

الصفحة 348