كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

الْبَائِعَ إنَّمَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ لِضَرَرٍ يَتَّقِيهِ مِنْ الْعَبْدِ إنْ هُوَ بَقِيَ، فَقَدْ يَكُونُ شِرِّيرًا، وَقَدْ يَكُونُ اطَّلَعَ عَلَى أَسْرَارِهِ، أَوْ مَوْضِعِ مَالِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْعُذْرِ، أَوْ يَتَّقِي مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ الْأَمَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي طَارِئًا كَانَ أَبْيَنَ فِي الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ اهـ.
قُلْت: ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ خِلَافٌ لِمَا فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ: " وَهُوَ أَبْيَنُ " وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِخِلَافٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي الْمَوَّازِيَّةِ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ الشَّامُ مَثَلًا فَفِيهِ تَحْجِيرٌ، وَأَمَّا الَّذِي فِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ فَلَمْ يَشْتَرِطْ إلَّا إخْرَاجَهُ مِنْ الْبَلَدِ الَّتِي بِيعَ فِيهَا فَقَطْ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ خَفِيفٌ فَالْجَوَازُ فِيهِ كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ ظَاهِرٌ بَلْ يَقُولُ: إنَّهُ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِمَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ فَتَأَمَّلْهُ. وَعَلَى هَذَا فَيَلْزَمُ الشَّرْطُ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ إنْ أَقَامَ بِهِ الْمُشْتَرِي فِي الْبَلَدِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ أَجَازَ ابْنُ وَهْبٍ أَنْ يَبِيعَ الْعَبْدَ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى الشَّامِ، وَلَمْ يُجِزْ أَنْ يَبِيعَهُ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَهُ إلَّا بِالشَّامِ، وَالْوَجْهَانِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ سَوَاءٌ اهـ. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ إلَّا أَنَّهُ زَادَ حِكَايَةَ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تَجُوزُ إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُرْكِبَهَا الْبَحْرَ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَفِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ الْمُتَقَدِّمِ وَذَكَرَهُ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ أَيْضًا وَقَبِلُوهُ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُجِيزَهَا الْبَحْرَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَبْقَى مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْبُلْدَانِ وَيُخْتَلَفُ إذَا شَرَطَ أَنْ يُجِيزَهَا قِيَاسًا عَلَى مَنْ شَرَطَ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا اهـ.
قُلْت: مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَرْعِ الْأَوَّلِ خِلَافُ مَا نَقَلَ غَيْرُهُ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَرْعِ الثَّانِي مِنْ الْقِيَاسِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَالظَّاهِرُ فِيهِ الْمَنْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(التَّاسِعُ) تَقَدَّمَ أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ بَيْعَ الرَّجُلِ السِّلْعَةَ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنْ بَاعَهَا فَبَائِعُهَا أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي يَبِيعُهَا بِهِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَفِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذَكَرَهُ وَذَكَرَ فِيهِ إذَا وَقَّعَ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي هَذَا الْقِسْمِ مِنْ الشُّرُوطِ وَزَادَ فِي رَسْمِ الْقِبْلَةِ قَوْلًا ثَالِثًا فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَيْنِ: وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ السِّلْعَةَ عَلَى أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الشُّرُوطِ وَبَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ إيَّاهَا عَلَى أَنَّهُ إنْ بَاعَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ فَجَعَلَ هَذَا بَيْعًا فَاسِدًا يُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِتَرْكِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ اهـ. فَتَحَصَّلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَلِابْنِ رُشْدٍ اخْتِيَارٌ نَذْكُرُهُ قَرِيبًا يَكُونُ رَابِعًا.

الصفحة 350