كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

فَسَدَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَيْسَ لَهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ اهـ. وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ النَّوَادِرِ عَلَى نَقْلِ مَا فِي الْعُتْبِيَّةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَكَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَأَبِي الْحَسَنِ أَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ بِذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَبُطْلَانِ الشَّرْطِ إلَّا الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ.
وَأَمَّا كَلَامُ الْمُتَيْطِيَّةِ وَمُخْتَصَرِهَا فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الْمُشْتَرِطُ لِلزَّكَاةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَاشْتِرَاطُ الْبَائِعِ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي صَحِيحٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الزَّرْعُ قَدْ طَابَ وَالزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ، فَقَدْ نَصَّ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّ ذَلِكَ أَجْوَزُ لِلْبَيْعِ وَصَرَّحَ بِجَوَازِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ لَمْ يَطِبْ فَالزَّكَاةُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا الْبَائِعُ فَاشْتِرَاطُهَا عَلَيْهِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَدْ مَشَى الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي تَوْضِيحِهِ وَتَقَدَّمَتْ النُّصُوصُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْفَرْعُ الرَّابِعُ) إذَا اشْتَرَطَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ فِي الْأَمَةِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الْمُوَاضَعَةُ أَنْ لَا مُوَاضَعَةَ فِيهَا فَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ قَالَ فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَكُرِهَ تَرْكُ الْمُوَاضَعَةِ وَائْتِمَانُ الْمُبْتَاعِ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِنْ فَعَلَا أَجْزَأَهُمَا إنْ قَبَضَهَا عَلَى الْأَمَانَةِ وَهِيَ مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى تَدْخُلَ فِي أَوَّلِ دَمِهَا، فَإِنْ قَبَضَهَا عَلَى شَرْطِ الْحِيَازَةِ وَسُقُوطِ الْمُوَاضَعَةِ كَالْوَخْشِ، أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ اسْتِبْرَاءً فِي الْمُوَاضَعَةِ وَجَهِلَا وَجْهَ الْمُوَاضَعَةِ فَقَبْضُهَا كَالْوَخْشِ، وَلَمْ يَسْتَبْرِئْ الْبَائِعُ مِنْ الْحَمْلِ لَمْ يَفْسُدْ الْبَيْعُ وَأَلْزَمْتهَا حُكْمَ الْمُوَاضَعَةِ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ إذَا اُشْتُرِطَ سُقُوطُ الْمُوَاضَعَةِ أَوْ وَقَعَ الْأَمْرُ مُبْهَمًا، وَلَمْ يَشْتَرِطَا إسْقَاطَهَا وَلَا وُجُوبَهَا عَمْدًا، أَوْ جَهِلَا، وَلَمْ يَتَبَرَّأْ الْبَائِعُ مِنْ الْحَمْلِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِ الْكِتَابِ وَيَلْزَمُهُمَا حُكْمُ الْمُوَاضَعَةِ. فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ إذَا اشْتَرَطَا تَرْكَ الْمُوَاضَعَةِ. الشَّيْخُ: فَعَلَى هَذَا إذَا أَدَّبَهُمَا كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا فَيَتَّفِقَانِ فِي ذَلِكَ اهـ.
وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِيمَا إذَا شَرَطَا تَرْكَ الْمُوَاضَعَةِ خَمْسَةَ أَقْوَالٍ فَذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ مَذْهَبَ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: صِحَّةُ الْبَيْعِ وَلُزُومُ الشَّرْطِ وَعَزَاهُ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَهَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ.
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: إنْ شَرَطَ مَعَ ذَلِكَ نَقْدَ الثَّمَنِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا وَعَزَاهُ لِابْنِ حَبِيبٍ.
وَالْخَامِسُ: إنْ تَمَسَّكَ الْبَائِعُ بِالشَّرْطِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا وَعَزَاهُ لِلَّخْمِيِّ، وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا شُرِطَ تَرْكُ الْمُوَاضَعَةِ، وَأَمَّا إنْ وَقَعَ الْأَمْرُ مُبْهَمًا، وَلَمْ يَشْتَرِطَا إسْقَاطَ الْمُوَاضَعَةِ وَلَا وُجُوبَهَا فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ بِاتِّفَاقٍ وَيَلْزَمُهُمَا حُكْمُ الْمُوَاضَعَةُ.

(تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ تَرْكِ الْمُوَاضَعَةِ، أَوْ مُبْهَمًا فَلَا يَضُرُّ فِيهِ اشْتِرَاطُ

الصفحة 357