كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ مُخْتَلَفٌ فِي ضَمَانِهِ فَالشَّرْطُ هَاهُنَا أَخْذٌ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اهـ.

(فَرْعٌ) حُكْمُ الْعَارِيَّةِ فِي الضَّمَانِ حُكْمُ الرَّهْنِ يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَا يَضْمَنُ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ شَرْطَ الْمُسْتَعِيرِ عَلَى الْمُعِيرِ نَفْيُ الضَّمَانِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَفِي ذَلِكَ طَرِيقَانِ:
الْأُولَى: لِابْنِ الْجَلَّابِ وَابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ شَرْطَهُ بَاطِلٌ وَالضَّمَانُ لَهُ لَازِمٌ قَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ: وَمَنْ اسْتَعَارَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَهُوَ ضَامِنٌ اهـ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ: فَإِنْ اشْتَرَطَ الْمُسْتَعِيرُ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَشَرْطُهُ بَاطِلٌ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ أَيْضًا فِي الْعُتْبِيَّةِ لِأَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْهُمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ.
وَعَلَى مَا حَكَى ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ أَشْهَبَ فِي الصَّانِعِ يَشْتَرِطُ أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَنَّ شَرْطَهُ جَائِزٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ يَنْفَعُهُ الشَّرْطُ فِي الْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَلْزَمْ فِي الصَّانِعِ فَأَحْرَى أَنْ يَلْزَمَ فِي الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ إذَا أَعَارَهُ عَلَى أَنْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، فَقَدْ فَعَلَ الْمَعْرُوفَ مَعَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَالْأَظْهَرُ إعْمَالُ الشَّرْطِ وَمَا لِإِسْقَاطِهِ وَجْهٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ إسْقَاطِ حَقٍّ قَبْلَ وُجُوبِهِ فَلَا يَلْزَمُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ اهـ.
وَقَالَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ إنَّ الشَّرْطَ غَيْرُ عَامِلٍ فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعَارِيَّةِ وَفِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ وَلَا وَجْهَ لِإِسْقَاطِ الشَّرْطِ فِي الْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَعَهُ مَعْرُوفًا مِنْ وَجْهَيْنِ وَالرَّهْنُ قَرِيبٌ مِنْ الْعَارِيَّةِ وَمَا لِإِسْقَاطِهِ فِيهِمَا وَجْهٌ إلَّا أَنَّهُ مِنْ بَابِ إسْقَاطِ حَقٍّ قَبْلَ وُجُوبِهِ فَيَجْرِي ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ الْأَصْلِ اهـ.
قُلْت: وَلَمْ يُجَوَّزْ ذَلِكَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ.
الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: لِلَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إذَا شَرَطَ نَفْيَ الضَّمَانِ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ نَحْوُهُ.
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ: وَاخْتُلِفَ إذَا شَرَطَ الْمُسْتَعِيرُ أَنَّهُ مُصَدَّقٌ فِي تَلَفِ الثِّيَابِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ لَهُ شَرْطُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ سَحْنُونٌ فِيمَنْ أَعْطَى رَجُلًا مَالًا لِيَكُونَ لَهُ رِبْحُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ: إنَّهُ ضَامِنٌ، فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ شَرْطُهُ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ مَعْرُوفٌ وَإِسْقَاطَ الضَّمَانِ مَعْرُوفٌ ثَانٍ وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ مَا كَانَ أَصْلًا لِمُكَايَسَةٍ، أَوْ عَنْ مُعَاوَضَةٍ كَالرِّهَانِ وَالصُّنَّاعِ اهـ.
وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ

الصفحة 366