كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

كَلَامَ ابْنِ الْجَلَّابِ، وَابْنِ رُشْدٍ عَبَّرَ عَنْ كَلَامِ ابْنِ الْجَلَّابِ بِقَوْلِهِ نَقَلَ الْجَلَّابُ عَنْ الْمَذْهَبِ، ثُمَّ قَالَ وَفِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ اللَّخْمِيِّ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت مَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ خِلَافُ نَقْلِ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْهُمَا، وَالْعَجَبُ مِنْ ابْنِ رُشْدٍ وَشَارِحِي ابْنِ الْحَاجِبِ فِي عَدَمِ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ اهـ.
قُلْت: مَا تَعَجَّبَ مِنْهُ ظَاهِرٌ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ فَنَقَلَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ، ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي فِي الْمُقَدِّمَاتِ الضَّمَانُ وَنَسَبَهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَضُمِنَ الْمَغِيبُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَهَلْ وَإِنْ شَرَطَ نَفْيَهُ؟ تَرَدُّدٌ وَأَعْجَبُ مِمَّا تَعَجَّبَ مِنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ مَا وَقَعَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ النَّوَادِرِ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الشَّرْطَ جَائِزٌ فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الرُّهُونِ وَقَبِلَهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الرَّهْنِ عَنْ اللَّخْمِيِّ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الشَّرْطَ عَامِلٌ وَقَبِلَهُ، وَكَذَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ وَالرَّجْرَاجِيُّ.
وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ وَكَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ، وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْخِلَافِ فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ عَنْ أَشْهَبَ الْقَوْلَيْنِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْأَشْهَرَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الشَّرْطَ يَنْفَعُهُ وَلَعَلَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَهُ قَوْلَانِ أَيْضًا فَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ بُطْلَانُ الشَّرْطِ فِي الرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ وَعَنْ أَشْهَبَ أَنَّ الشَّرْطَ جَائِزٌ فِيهِمَا، وَقَدْ صَرَّحَ الرَّجْرَاجِيُّ فِي بَابِ الرُّهُونِ بِأَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْعَارِيَّةِ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُسْتَعِيرِ بِشَرْطِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ أَنْ لَا وَجْهَ لِإِسْقَاطِ الشَّرْطِ فِي الْعَارِيَّةِ إلَخْ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَمْ يُعَلِّلْ ذَلِكَ إلَّا بِكَوْنِ الشَّرْطِ مُخَالِفًا لِأَصْلِ سُنَّةِ الْعَقْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَجْرِيحِهِ عَلَى إسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُوبِهِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَخَرَّجُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ الْمُسْقَطَ الَّذِي هُوَ ضَمَانُ الْمُرْتَهِنِ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ بِقَبْضِهِ لِلرَّهْنِ فَتَأَمَّلْهُ هَذَا حُكْمُ الصُّورَةِ الْأُولَى.

وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَا إذَا شَرَطَ الْمُعِيرُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ضَمَانَ مَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ.
وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَفِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ الْعَارِيَّةِ قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ إنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ حَاشَا مُطَرِّفًا، فَإِنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ شَرَطَ عَلَيْهِ لِأَمْرٍ خَافَهُ مِنْ طَرِيقٍ مَخُوفٍ، أَوْ نَهْرٍ، أَوْ لُصُوصٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَهُ فَالشَّرْطُ لَازِمٌ إنْ عَطِبَتْ فِي الْأَمْرِ الَّذِي خَافَهُ وَاشْتَرَطَ الضَّمَانَ مِنْ أَجْلِهِ وَقَالَ أَصْبَغُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهَيْنِ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ اهـ. وَقَالَ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ اسْتَعَرْت مِنْ رَجُلٍ دَابَّةً عَلَى أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ عَلَيْك لَمْ تَضْمَنْهَا اهـ.

الصفحة 367