كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

بِمُقَابَلَةٍ وَيُعْطِي عَلَيْهِ الرِّشْوَةَ فَوِلَايَتُهُ بَاطِلَةٌ وَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ، وَإِنْ كَانَ قَدْ حَكَمَ بِحَقٍّ.
ثُمَّ قَالَ قُلْت هَذَا تَخْرِيجًا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْحَنَفِيِّ اهـ وَنَقَلَهُ مِنْ أَئِمَّتِنَا الْمَالِكِيَّةِ ابْنُ فَرْحُونٍ وَالْحَطَّابُ وَالْبَنَّانِيُّ وَالْعَدَوِيُّ وَأَقَرُّوهُ لِمُوَافَقَتِهِ قَاعِدَةَ الْمَذْهَبِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِيمَنْ يُوَلَّى وَدَفْعُ الرِّشْوَةِ فِسْقٌ، فَقَدْ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» .
وَقَدْ قَالَ الْحَطَّابُ وَبَذْلُ الْمَالِ فِي الْقَضَاءِ مِنْ أَوَّلِ الْبَاطِلِ الَّذِي لَمْ يُعِنْ عَلَى تَرْكِهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ اهـ.
وَنَقَلَهُ الْبُنَانِيُّ وَأَقَرَّهُ عَلَى أَنَّ بَاقِيَ الشُّرُوطِ لَا تَكَادُ تَجْتَمِعُ الْيَوْمَ فِيمَنْ يُولَى مَنْصِبَ الْقَضَاءِ وَلَيْسَ بَعْدَ الْعِيَانِ بَيَانٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَاتٍ فِي الطُّرَرِ وَيَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ فِي الْأَحْكَامِ شَيْئًا يَدْفَعُ بِهِ حَقًّا، أَوْ يُسَدِّدُ بِهِ بَاطِلًا، وَأَمَّا أَنْ يَدْفَعَ بِهِ عَنْ مَظْلُومٍ فَلَا بَأْسَ ابْنُ عَيْشُونَ: وَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ فَمَنَعَ مِنْ إنْفَاذِهِ رَجَاءَ أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ غَيْرُ جَائِزٍ نَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَخْذِهِ عَلَى التَّوَلِّي، أَوْ الْإِذْنِ إذْ الْكُلُّ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[خُنْثَى مُشْكِلٍ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَهَلْ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ وَيُفْسَخُ إنْ وَقَعَ]
(مَا قَوْلُكُمْ) فِي خُنْثَى مُشْكِلٍ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَهَلْ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ وَيُفْسَخُ إنْ وَقَعَ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ لَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ وَيُفْسَخُ إنْ وَقَعَ.
قَالَ الْخَرَشِيُّ وَغَيْرُهُ لَا تَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُ مَا دَامَ مُشْكِلًا اهـ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا أَنَّ السَّائِلَ مَالَ إلَى الصِّحَّةِ فَقَالَ مَا نَصُّهُ: هَلْ يَصِحُّ وَلَا يُفْسَخُ وَلَا يُلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَصَوُّرٍ أَنْ يَكُونَ أَبًا، أَوْ جَدًّا عَدَمُ الصِّحَّةِ اهـ.
فَزِدْت عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَلْ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَصَوُّرِ كَوْنِهِ أَبًا، أَوْ جَدًّا عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ تَصَوُّرَهُ أَبًا أَوْ جَدًّا لَازِمٌ لِلصِّحَّةِ وَنَفْيُ اللَّازِمِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْمَلْزُومِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى نَفْيِ تَصَوُّرِ أُبُوَّتِهِ وَجُدُودَتِهِ بَلْ زَادُوا نَفْيَ تَصَوُّرِ كَوْنِهِ زَوْجًا وَزَوْجَةً وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ مُنَاكَحَتُهُ مَا دَامَ مُشْكِلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

صُورَةُ سُؤَالٍ
أَزْكَى سَلَامِي عَلَيْكُمْ مَعْشَرَ الْعُلَمَا ... يَا مَنْ جَعَلْتُمْ كِرَامًا فِي الْوَرَى عَظُمَا
مَاذَا تَقُولُونَ فِي أُنْثَى لَقَدْ خُلِقَتْ ... مِنْ غَيْرِ فَرْجٍ فَسُبْحَانَ الَّذِي حَكَمَا
أَهْلٌ لَهَا كُلُّهُمْ مَاتُوا وَقَدْ بَلَغَتْ ... تَبْكِي مِنْ الْجُوعِ دَمْعًا يَمْتَزِجُ بِدِمَا
أَصِيلَةُ الْجَدِّ لَمْ تُسْأَلْ وَإِنْ خُدِمَتْ ... تَخَافُ عَادَ الَّذِي فِي بَيْتِهَا خَدَمَا
فَهَلْ يَجُوزُ لَهَا التَّزْوِيجُ إنْ وَجَدَتْ ... رَاضٍ بِهَا وَبِهَذَا الشَّرْطِ قَدْ عَلِمَا
وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْتِهَا دُبُرًا ... أَوْ إنْ أَتَاهَا بِنَهْيِ الشَّرْعِ قَدْ أَثِمَا
وَإِنْ يَكُنْ عَنْ رِضَاهَا وَهْيَ تَطْلُبُهُ ... هَلْ يَسْقُطُ الْإِثْمُ أَوْ بِالْحُكْمِ قَدْ لَزِمَا
وَهَلْ إذَا طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ لَهَا ... نِصْفُ الصَّدَاقِ يَكُنْ أَوْ لَا أَيًّا عُلِمَا
وَإِنْ تَكُنْ طَلُقَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ فَهَلْ ... تَعْتَدُّ أَوْ لَا لِكَوْنِ الْحَيْضِ قَدْ عَدِمَا
وَإِنْ حَكَمْتُمْ بِهَا تُعَدُّ آيِسَةً ... أَمْ كَيْفَ يَحْصُلُ وَحُكْمُ الْحَمْلِ مَا انْتَظَمَا
أَفْتُونَنِي سَادَتِي فِي سَبْعِ أَسْئِلَةٍ ... يُثِيبُكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ فَضْلِهِ كَرَمًا
أَبْيَاتُ نَظْمِي بِهَذَا الْبَيْتِ عُدَّتُهَا ... اثْنَتَا عَشْرَ لَفْظُهَا بِالنَّظْمِ قَدْ عُلِمَا
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ هَذَا الشَّخْصُ خُنْثَى

الصفحة 394