كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْأَبَ يَجْبُرُ الْمُجْبَرَةَ إلَّا لِكَخَصِيٍّ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إجَابَةُ كُفْءٍ كَمَا هُوَ بَيِّنٌ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى فِي غَيْرِ مُجْبِرٍ كَمُجْبِرٍ تَبَيَّنَ مِنْهُ عَضْلٌ قَالَ فِيك، وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنْ ذِمِّيَّةً وَتَدْعُو لِمُسْلِمٍ فَلَا تُجَابُ لَهُ حَيْثُ امْتَنَعَ أَهْلُهَا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِكُفْءٍ عِنْدَهُمْ، قَوْلُهُ كَمَا عِنْدَ الْبَاجِيِّ إلَخْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَحِينَئِذٍ فَيُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ تَزْوِيجَ الْحَاكِمِ إلَخْ إذْ دَقَقْت النَّظَرَ تَجِدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ يَتَمَادَى عَلَى الِامْتِنَاعِ يَصِيرُ كَالْعَدَمِ فَيَنْتَقِلُ الْحَقُّ لِلْأَبْعَدِ.
، وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ وَكِيلًا لَهُ إلَّا إذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ امْتِنَاعٌ كَأَنْ يَكُونَ غَائِبًا مَثَلًا اهـ.
وَلَخَصَّ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ بِقَوْلِهِ وَعَلَيْهِ الْإِجَابَةُ لِكُفْءٍ عَيَّنْته وَإِلَّا يَجِبُ انْتَقَلَ الْحَقُّ لِلْأَبْعَدِ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

(وَسُئِلَ) عَمَّا يَأْخُذُهُ خَطِيبُ الْبَلَدِ عَلَى تَوْلِيَةِ عَقْدِ النِّكَاحِ هَلْ هُوَ جَائِزٌ أَمْ لَا وَهَلْ لِلْقَاضِي الْمُسْتَنِيبِ لِلْخَطِيبِ حَقٌّ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا.
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لِلْخَطِيبِ أَخْذُ أُجْرَةٍ مُعْتَادَةٍ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي حَقٌّ فِي ذَلِكَ لِمَالِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْت: لَا يَخْفَى أَنَّ بَيَانَ كَيْفِيَّةِ الْعَقْدِ مِنْ بَابِ الْفَتْوَى وَأَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا إنْ تَعَيَّنَتْ، أَوْ تَعَلَّقَتْ بِمَا فِيهِ خُصُومَةٌ حَرَامٌ إجْمَاعًا وَإِلَّا فَأَجَازَهَا عَبْدُ الْحَمِيدِ الصَّائِغُ وَمَنَعَهَا اللَّخْمِيُّ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: وَأَمَّا الْإِجَارَةُ عَلَى الْفُتْيَا فَنَقَلَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَنْعِهَا، وَكَذَلِكَ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الرِّشْوَةِ لَكِنْ لَوْ أَتَى خَصْمَانِ إلَى قَاضٍ فَأَعْطَيَاهُ أَجْرًا عَلَى الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا أَوْ أَتَى رَجُلٌ لِلْمُفْتِي فَأَعْطَاهُ أَجْرًا عَلَى فَتْوَى لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا خُصُومَةٌ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا لِوُجُودِ مَنْ يَقُومُ بِهِ غَيْرُهُمَا هَذَا مِمَّنْ اخْتَلَفَ فِيهِ الشَّيْخَانِ فَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَمِيدِ أَيُّ شَيْءٍ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُجْسَرُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ يَمْنَعُ ذَلِكَ جُمْلَةً؛ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى الرِّشْوَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ مَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَلْوَانَ أَحَدِ فُقَهَاءِ تُونُسَ وَمُفْتِيهَا أَنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ الْهِبَةَ وَالْهَدِيَّةَ وَيَطْلُبُهَا مِمَّنْ يُفْتِيهِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَا شَاعَ وَذَاعَ أَنَّ الْقُضَاةَ يَطْلُبُونَ أَجْرًا مِمَّنْ أَتَى إلَيْهِمْ مِنْ الْخُصُومِ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَنَقَلَهُ شَيْخُنَا الْإِمَامُ عَنْ شَيْخِهِ الْإِمَامِ الْمُفْتِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَارُونَ، وَهَذَا فِيمَا يَأْخُذُونَهُ عَلَى مَسْأَلَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَأَمَّا أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْأَحْكَامِ وَالْفَتَاوَى فَفِيهِ خِلَافٌ مَعْلُومٌ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ كَبَيْعِ كُتُبِهَا وَشِرَائِهَا، وَأَمَّا أَخْذُ الْعَطَايَا وَالْمُرَتَّبَاتِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْحَلَالَ، أَوْ مِنْ الْأَحْبَاسِ الْمَوْقُوفَةِ لِذَلِكَ فَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا أَنَّهُ جَائِزٌ قَالَهُ الْبُرْزُلِيُّ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ وَكَّلَتْ رَجُلًا فِي زَوَاجِهَا فَزَوَّجَهَا لِشَخْصٍ وَاسْتَلَمَ الصَّدَاقَ ثُمَّ تُوُفِّيَ الزَّوْجُ زَوَّجَهَا لِآخَرَ وَاسْتَلَمَ الصَّدَاقَ ثُمَّ تُوُفِّيَ فَزَوَّجَهَا لِثَالِثٍ وَاسْتَلَمَ الصَّدَاقَ وَكُلُّ مَرَّةٍ تَطْلُبُ الصَّدَاقَ مِنْهُ فَيَقُولُ لَهَا هُوَ عِنْدِي مَحْفُوظٌ ثُمَّ تُوُفِّيَ الْوَكِيلُ وَخَلَفَ ابْنًا وَأَمْتِعَةً مِنْ خَيْلٍ وَغَنَمٍ وَإِبِلٍ وَعَقَارٍ وَتُوُفِّيَتْ تِلْكَ الْحُرْمَةُ أَيْضًا عَنْ وَلَدِهَا فَهَلْ لَهُ طَلَبُ وَلَدِ الْوَكِيلِ بِأَصْدِقَةِ أُمِّهِ، وَإِنْ ادَّعَى ابْنُ الْوَكِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ خَلَفَ مَا ذُكِرَ سَابِقًا وَأَتْلَفَهُ الْوَلَدُ فِي السَّرَفِ فَهَلْ تُؤْخَذُ الْأَصْدِقَةُ الَّتِي عَلَى وَالِدِهِ مِمَّا جَدَّدَهُ بَعْدَ الَّذِي أَتْلَفَ مِنْ مَالِ أَبِيهِ لَا سِيَّمَا وَعَقَارُ وَالِدِهِ مَوْجُودٌ لِلْآنِ لَمْ يَهْلَكْ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، نَعَمْ إذَا ثَبَتَ إقْرَارُ الْوَكِيلِ بِبَقَاءِ الْأَصْدِقَةِ عِنْدَهُ وَمَوْتُهُ عَمَّا ذُكِرَ وَاسْتِيلَاءُ وَلَدِهِ عَلَيْهِ فَلِوَلَدِ الْمَرْأَةِ طَلَبُ وَلَدِ الْوَكِيلِ بِهَا مِنْ عَقَارِ وَالِدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفِ بِهَا فَمِمَّا جَدَّدَهُ بِمِقْدَارِ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِهِ لِتَعَدِّيهِ عَلَيْهِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا إلَّا بَعْدَ وَفَاءِ دَيْنِ أَبِيهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ، وَلَوْ بِدُونِ الشُّهْرَةِ وَالْعِلْمُ بِالدَّيْنِ يَطْرَأُ غَرِيمُ أَخْذِ الْمَلِيءِ عَنْ الْمُعْدَمِ إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ مَا قَبَضَهُ اهـ الْخَرَشِيُّ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَارِثِ إذْ

الصفحة 410