كتاب فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك (اسم الجزء: 1)

وَإِلَّا فَالرَّاجِحُ عَدَمُهُ اهـ.
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ بَعَثَ رَجُلًا لِآخَرَ خَاطِبَا لِبِنْتِهِ لِلْأَوَّلِ، أَوْ لِوَلَدِهِ فَأَجَابَهُ وَتَوَاعَدَا عَلَى الْعَقْدِ لَيْلَةَ الْبِنَاءِ، وَأَرْسَلَ لَهَا كِسْوَةً ثُمَّ أَرْسَلَ لِأَهْلِهَا طَالِبًا الدُّخُولَ بِهَا فَجَهَّزُوهَا وَزَفُّوهَا إلَيْهِ وَدَخَلَ بِهَا بِلَا عَقْدٍ وَلَا إشْهَادٍ ظَانًّا حُصُولَهُمَا مِنْ الْأَبَوَيْنِ ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمُ حُصُولِهِمَا مِنْهُمَا فَأَفْتَى فَقِيهٌ بِالْفَسْخِ وَالِاسْتِبْرَاءِ لِعَدَمِ الْعَقْدِ وَالْإِشْهَادِ وَعَدَمِ الْحَدِّ لِلْفَشْوِ وَآخَرُ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ مَدَارَ النِّكَاحِ عَلَى الشُّهْرَةِ وَلِأَنَّ أَكْثَرَ أَنْكِحَةِ السَّلَفِ كَذَلِكَ كَمَا فِي شَرْحِ التَّاوَدِيِّ عَلَى التُّحْفَةِ، وَإِنَّ فَسْخَهُ أَوْلَى فَفَسَخَهُ وَعَقَدَ لَهُمَا عَقْدًا جَدِيدًا فَسُئِلَ هَلْ فَسْخُهُ طَلَاقٌ فَقَالَ لَا مُسْتَنِدًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ أَنَّ إشَاعَةَ النِّكَاحِ وَشُهْرَتَهُ مَعَ عِلْمِ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ تَكْفِي عَنْ الْإِشْهَادِ وَعَادَةُ بَلَدِنَا أَنَّ الْخِطْبَةَ لَا تَجْرِي مَجْرَى الْعَقْدِ إنَّمَا هِيَ تَوْطِئَةٌ لَهُ ثُمَّ تَارَةً يَقَعُ بَعْدَهَا لَيْلَةَ الْبِنَاءِ وَتَارَةً يَرْجِعُونَ عَنْهَا وَلَا يَعْقِدُونَ فَمَا الْحُكْمُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ التَّفْرِيقُ بَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ، وَهَذِهِ الْمَرْأَةِ وَاجِبٌ وَلَا يُقَالُ لَهُ فَسْخٌ لِعَدَمِ الْعَقْدِ وَوَجَبَ عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا لَهُ، أَوْ لِغَيْرِهِ فِيهِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ قَالَ الْعَلَّامَةُ التَّاوَدِيُّ فِي شَرْحِ التُّحْفَةِ سُئِلَ أَبُو سَالِمٍ إبْرَاهِيمُ الْكِئْلَالِيُّ عَمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ تَوْجِيهِ الرَّجُلِ مَنْ يَخْطُبُ امْرَأَةً لِنَفْسِهِ، أَوْ لِوَلَدِهِ فَيُجِيبُهُ أَهْلُهَا بِالْقَبُولِ وَيَتَوَاعَدُونَ الْعَقْدَ لَيْلَةَ الْبِنَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ لَهَا حِنَّاءً وَحَوَائِجَ فِي الْمَوَاسِمِ وَيُوَلُّونَ النِّسَاءَ عِنْدَ الْخِطْبَةِ وَيَسْمَعُ النَّاسُ وَالْجِيرَانُ أَنَّ فُلَانًا تَزَوَّجَ فُلَانَةَ وَيَزِيدُ أَهْلُ فَاسَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الْمَسْجِدِ لِذَلِكَ ثُمَّ يَطْرَأُ مَوْتٌ، أَوْ نِزَاعٌ.
فَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ جَارِيَةً بِأَنَّ الْخِطْبَةَ وَإِجَابَتَهَا بِالْقَبُولِ إنَّمَا هُمَا تَوْطِئَةٌ لِلْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ لَيْلَةَ الْبِنَاءِ، وَأَنَّهُ لَا إلْزَامَ بِمَا يَقَعُ بَيْنَهُمْ، وَإِنَّمَا هِيَ أَمَارَاتٌ عَلَى مَيْلِ كُلٍّ لِصَاحِبِهِ فَلَا إشْكَالَ فِي عَدَمِ انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِذَلِكَ وَعَدَمِ تَرَتُّبِ أَحْكَامِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ أَنَّهُمْ جَارِيَانِ مَجْرَى الْعَقْدِ فِيمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْإِشْهَادَ لَيْلَةَ الْبِنَاءِ إنَّمَا هُوَ لِتَحْصِينِ قَدْرِ الْمَهْرِ وَأَجَلِهِ وَتَحْقِيقِ مَا قُبِضَ مِنْهُ وَمَا بَقِيَ فِي الذِّمَّةِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ النِّكَاحَ انْعَقَدَ بِهِمَا وَتَرَتَّبَتْ عَلَيْهِمَا أَحْكَامُهُ، وَإِنْ جُهِلَ الْحَالُ بِحَيْثُ لَوْ سُئِلُوا هَلْ أَرَادُوا الْوَعْدَ أَوْ الْإِبْرَامَ لَا يُجِيبُونَ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا فَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الْمَزْدَغِيُّ انْعِقَادُ النِّكَاحِ وَتَرَتُّبِ أَحْكَامِهِ بِهِمَا وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ عَدَمُ ذَلِكَ كُلِّهِ، ثُمَّ قَالَ التَّاوَدِيُّ وَالْحَاصِلُ إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ أَنَّ الْخِطْبَةَ وَالْإِجَابَةَ بِالْقَبُولِ عَقْدٌ، وَلَوْ مِمَّنْ نَابَ عَنْ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ وَعَلِمَ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ وَرَضِيَا بِهِ فَالظَّاهِرُ انْعِقَادُ النِّكَاحِ بِذَلِكَ وَتُرَتَّبُ أَحْكَامُهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ أَنَّ ذَلِكَ مُجَرَّدُ قَبُولٍ وَسُكُوتٍ أَوْ وَعْدٍ فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ لِلْعَادَةِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ السُّكُوتِ أَمَّا عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِالْمُوَاعَدَةِ عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ الشَّرْعِيَّ

الصفحة 421