كتاب المآخذ على شراح ديوان أبي الطيب المتنبي (اسم الجزء: 1)

وأقول: إن العواذل إنما يعذلن العاشق شفقة عليه ورحمة له، فمن شأنهن أن يصغرن حال المحبوب عنده، ويقبحنه في عينه، ويخدعنه عنه ليزهد فيه؛ فيحصل لهن الغرض الذي قصدنه منه. وكأن عواذل أبي الطيب لم يرين محبوبه قبل تلك الليلة، فلما رأينه بهرهن وجهه بالحسن الذي أراهن، كأن الشمس طالعة بالليل، فلم يقدرن على المخادعة والمغالطة، ووصفنه بذلك فعدن، بعد إذ كن يعذلنه؛ يغرينه، لأن وصف المحبوب إغراء به وتعريض لعشقه كما قال الشاعر: (الوافر)
وَلسْتُ بواصِفِ أَبداً حَبِيباً ... أُعَرَّضُهُ لأَهْوَاءِ الرَّجَالِ
(وقوله: (الكامل)
أو يَرْغَبُوا بقصُورِهِمْ عن حُفْرَةٍ ... حَيَّاهُ فيها مُنْكَرٌ ونَكِيرُ
قال: أعيذهم أن يتركوا زيارة قبره ويلزموا قصورهم.
وقال الواحدي: قال العروضي: ما أبعد ما وقع، وإنما أراد: لا يحسبوا قصورهم أوفق له من الحفرة التي صارت من رياض الجنة حتى حياه فيها الملكان.
وأقول: ما العجب (من وقوعه) في مثل هذا، بل سلامته!)

الصفحة 108