كتاب المآخذ على شراح ديوان أبي الطيب المتنبي (اسم الجزء: 1)

قال الواحدي: وقال أبو علي بن فورجة: كيف يعني بقوله: طاروا: ذهبوا وهلكوا وقد شبه طيرانهم على صفاء الوداد بطيران الذباب على الطعام؟ وإنما يعني أن الوشاة تعرضوا لما بينهم، وجهدوا أن يفسدوا ودهم، كما أن الذهاب يطير على الطعام، ومثله قول الآخر: (البسيط)
وَجَلَّ قَدْرِيَ فاسْتَحْلَوا مُسَاجَلَتي ... إنَّ الذُّبَابَ على المَاذِيّ وَقاعُ
قال الواحدي: والمعنى أن اجتماع الوشاة وسعيهم فيما بينهم بالنمائم، دليل على ما بينهم من المودة كالذباب، لا يجتمع إلا على طعام، كذلك الوشاة إنما يتعرضون للأحباء المتوادين.
قال: وقال العروضي، فيما أملاه علي: يظلم نفسه ويغر غيره من يفسر شعر المتنبي بهذا النحو، ألا تراه يقول:
. . . . . . . . . . وكذَا الذُّبابُ على الطَّعَامِ يطِيرُ
أذهاب هذا عنه أم اجتماع عليه؟!
وقال:
طَارَ الوُشَاةُ عَلَى. . . . . . . . . . . .
ولو أراد ما قال أبو الفتح لقال: (طار) عنه.
وأقول: هذا (الذي) أخذوه على ابن جني حسن، إلا أنهم لم يبينوا المعنى ويكملوه؛ وهو أن الوشاة تعرضوا لإفساد ما بينهم من الوداد، ولا يعبأ بهم لحقارتهم عندهم، فكانوا بينهم بمنزلة الذباب الذي يطير على الطعام متعرضا لفساده فلا يعبأ به ويطرد عنه.

الصفحة 110