كتاب المآخذ على شراح ديوان أبي الطيب المتنبي (اسم الجزء: 1)

قال: حدثني أبو الطيب قال: لما هزم سيف الدولة الدمستق، وقتل أصحابه جاء المسلمون إلى القتلى يتخللونهم، ينظرون من كان به رمق قتلوه.
قال: وكانوا يقولون لهم: رميس رميس، ليوهموهم أنهم من الروم، فإذا تحرك
أحدهم اجهزوا عليه، فبينا هم كذلك، أكب المشركون عليهم لاشتغال سيف الدولة فلذلك قال:
وَجَدتُموهُمْ نِياماً في دِمائِكُمُ. . . . . . . . .
أي: في دماء قتلاكم، وكأن قتلاهم قد فجعوهم فهم قعود بينهم يتوجعون لهم.
وأقول: تأمل - هداك الله - هذه الخرافة المتناقضة التي ينقض آخرها أولها! وذلك أن هؤلاء المسلمين الذين كانوا يجهزون على من وجدوا به رمقا من جرحى الكفار لا يستحقون أن يسلموا إليهم، وقد قال أبو الطيب: (البسيط)
قُلْ للدُّمُسْتُقِ: إنَّ المُسلمين لكُمْ ... خَانُوا الأميرَ فَجَازَاهُمْ بما صَنَعُوا
لأن إجهازهم على الكفار ليس بخيانة، وإنما الخيانة بما ذكره بعد من قوله:
وجدتُموهُمْ نياماً في دمَائِكُمُ ... كأنَّ قتلاكُمُ إياهُمُ فَجَعُوا
أي: من قصورهم في القتال، وفتورهم في الطلب جعلهم نياما وليسوا نياما على الحقيقة.
وقوله: في دمائكم أي: في طلب دمائكم، لا كما ذكروا من التلطخ بدماء القتلى للنوم بينهم خوفا من الروم. وهذه الحكايات التي تؤخذ من ظاهر الألفاظ لا يعتد بها السباق من الشعراء، ولا يغتر بها الحذاق من الأدباء، وأبو الفتح فيهم ليس بعريق النسب ولا بغزير النشب!

الصفحة 135