كتاب المآخذ على شراح ديوان أبي الطيب المتنبي (اسم الجزء: 1)

أن يظل أيضا فوقه، بل يحتمل أن يظل نهاره مرتقبا كامنا طلبا للغارة، ويمسي ليلة ساريا لئلا ينكشف، فيصابح الغارة صباحا كعادتهم الجارية على ذلك ويدل عليه قول لبيد: (الكامل)
فَعَلَوْتُ مُرْتَقِباً على مَرْهوبةٍ ... حَرجٍ على أعلاْمِهِنَّ قَتامُهَا
حتى إذا ألْقَتْ يَداً في كافرٍ ... وأجنَّ عَوْراتِ الثُغورِ ظَلامُهَا
أسْهَلْتُ وانْتَصَبَتْ مجِذْعِ مُنِيفَةٍ ... جَرْدَاَء يَحْصَرُ دُونَها جُرَّامُهَا
(ومثله قول أبي الطيب: (الطويل)
ويومٍ كلَيْلِ العَاشِقين كَمَنْتُهُ ... أرَاقِبُ فيه الشَّمْسَ أيانَ تَغْرُبُ)
وقوله: (الخفيف)
جَاعِلٍ دِرْعَهُ مَنِيَّتَهُ إنْ ... لم يَكُنْ دونَهَا من العارِ واقي
قال: أي ينضم في منيته كما ينضم في درعه.
وأقول: هذا ليس بشيء يمال إليه أو يعرج عليه! وإنما أراد أن هذا الممدوح إذا
اتقى غيره المنية بالعار، من نحو الهرب أو الاستسلام، أتقى هو العار بالمنية - (أي: يقتل ولا يلحقه عار) - فجعلها له كالدرع، وهذا من المقلوب الذي يستعمله كثيرا ويجيده؛

الصفحة 188