كتاب المآخذ على شراح ديوان أبي الطيب المتنبي (اسم الجزء: 1)

أو نحو ذلك من الألوان ليتطابق أو البيت وآخره، فليس في وزن من يلتفت إليه؛ لأن صناعة الشعر تؤذن بخرسه وبكمه؛ لأن الشاعر إذا وافق بين الشيئين وجمعهما من حيث اجتمعا؛ فقول من قال: هلا جمع بينهما من الوجه الآخر جهل منه، ولو كان الشيئان لا يتشابهان حتى يتضارعا من جميع الوجوه لما أمكن أن يوجد تحت الفلك شيئان متشابهان، لأنهما لا يخلوان أن يكونا جوهرين أو عرضين. ثم أبطل أن يكون التشابه لكونهما جوهرين باختلاف محليهما، وأن يكونا عرضين لجواز عدم أحدهما مع بقاء الآخر.
فيقال له: هذه سفسطة! والسؤال ها هنا حسن متوجه لم يجب عنه إلا بالسب والتنقص، والسب لا تقام به الحجة، والشتم لا تدفع به الشبهة.
والجواب عنه في قوله: إن. . . أدمت ثم قال:
. . . . . . . . . فَحَميدٌ من القَنَاةِ الذُّبولُ
ولم يقل: الأدمة، ليتطابق صدر البيت وعجزه، أن الذبول يكون معه تغير اللون إلى الأدمة فأقامه مقامها لأنه مصاحب لها ويدل عليها، ومثل هذا كثير؛ منه قوله:
(الطويل)
ولو ضَرَّ مَرْءاً قَبلهُ ما يَسُرُّهُ ... لأثَّرَ فيهِ بأسُهُ والتكرُّمُ
فأقَامَ لأَثَّرَ مقام لأضَرَّ بهِ لأنه في معناه وقد جعل نفسه، هاهنا، القناة مجازا، (مثلا)، كأنه قال: فحميد مني الذبول، أي: الأدمة.

الصفحة 219