كتاب المآخذ على شراح ديوان أبي الطيب المتنبي (اسم الجزء: 1)

أوقع كما قال الرجل.
وأقول: إنما قال: تسلى بالبكاء وذلك أنه إذا أهين حزن، وكئب، واهتم لذلك، فالأبي ذو الأنفة والنفس العزيزة يكون تسلية من ذلك بالانتقام ممن قصد هوانه. والدنيء الذليل الضعيف يكون تسليه بالبكاء يستروح به كالنساء، ليس لهن تسل بغيره، فهو مأمون على من أهانه.
وقوله: (المنسرح)
أنَا مَنْ بَعْضُهُ يَفُوق أبا البَا ... حِثِ، والنَّجْلُ بَعْضُ من نَجَلَهْ
قال: معناه: أنا أفوق أبا من يبحث عني، إلا أن صنعة الشعر قادته إلى هذا النظم وليس لضرورة.
فيقال له: ليس فيه ضرورة - كما تقول - ولكن فيه زيادة لا تعلمها! وهي في قوله:
. . . . . . . . . . . . والنَّجْلُ بعضُ من نَجَلَه
يقول: أنا بعض أبي، والباحث بعض أبيه، فبعض أبي - وهو أنا - يفوق كل الباحث وهو أبوه! وهذه قضية عقلية من مقدمتين ونتيجة:
فالمقدمة الأولى: أن الكل أفضل من البعض.
والثانية: أن الإنسان بعض أبيه.

الصفحة 245