كتاب المآخذ على شراح ديوان أبي الطيب المتنبي (اسم الجزء: 1)

قال: معنى البيت: كنت أبكي الربع وحده، فصرت أبكي وفاءكما معه.
وأقول: هذا ليس بشيء!
والمعنى: أنه يخاطب صاحبيه؛ يقول: وفاؤكما بأن تسعدا بالدمع كالربع؛ أي: ينبغي أن يكون الإسعاد بالبكاء علي وفق الربع في حال أشجاه للمحب (طاسمه)، وفي حال أشفى الدمع للمحب ساجمه. وكأن في هذا إشارة إلى أن صاحبيه لم يفيا له بالإسعاد، وأنهما قصرا معه في البكاء فلهذا قال، فيما بعد: (الطويل)
وقَدْ يَتَزَيَّا بالهَوَى غَيْرُ أَهْلِهِ ... ويَسْتَصْحِبُ الإنسَانُ من لا يُلائِمُهُ
يقول: هذان الصاحبان اللذان سمتهما الإسعاد بالبكاء، متصنعين بالهوى متكلفين له، غير ملائمين لي ولا موافقين لطباعي، فهذا المعنى الذي يقتضيه اللفظ وتدل عليه القرائن ويتبين به الإعراب.
وقوله: (الطويل)
بَلِيتُ بِلَى الأطْلاَلِ إنْ لم أقف بها ... وقُوفَ شَحيحٍ ضَاعَ في التُّرْبِ خَاتِمُهُ
قال: وقد ذهبوا إلى نقصان هذا البيت؛ فإن وقوف الشحيح على طلب خاتمه ليس مما يتناهى في ضرب المثل به. وأجاب عنه بأن هذا شبيه بقوله تعالى: (مثل نوره كمشكاة فيها مصباح) ثم قال: وليت شعري! هل يبلغ من ضوء الكوة التي فيها مصباح إلى أن تفيء بنور الله؟! ولكن العرب كما تبالغ في وصف الشيء، وتتجاوز

الصفحة 252