كتاب المآخذ على شراح ديوان أبي الطيب المتنبي (اسم الجزء: 1)

. . لولا الخَوفُ والبخل عنده. . . . . .
وذلك أن هاتين الخلتين محمودتان في النساء مذمومتان في الرجال، فولاهما لقلت: أبو حفص، يعني الممدوح، هو المسلم علينا لا خيال الحبيب. والمعنى أن الممدوح بمنزلة الحبيب عنده لولا ما استثناه من الخوف والبخل.
وقوله:
يَجِلُّ عن التَّشبيه، لا الكفَ لُجَّةٌ ... ولا هُوَ ضرغَامٌ ولا الرَّأيُ مِخدَمُ
ولا جُرحُهُ يُوسَى ولا غَورُهُ يُرَى ... ولا حَدُّه يَنبُو ولا يَتَئَلَّمُ
قال: سبحان الله! ما احسن ما عطف (لا) في هذا البيت، وما أغرب الصنعة فيه، وذلك أن قوله: (ولا الكف لجة) معناه: أن فيها ما في اللجة وزيادة عليها. وكذلك قال في (ضرغام) و (الرأي). وأما قوله (ولا جرحه يوسى) فليس معناه أنه يوسى وزيادة على الأسو، وكذلك قال: في (غوره) و (حده) فهو في البيت الأول مثبت في المعنى ما نفاه في اللفظ، ومتجاوز به في الوصف. وهو في البيت الثاني ناف في اللفظ والمعنى جميعا.
فيقال له: إنك سبحت الله متعجبا من حسن العطف والإغراب في الصنع بما ذكرته من الإثبات والنفي في معنى البيتين ولفظهما، وليس فيهما إغراب ولا عجب ولا إعجاب، ومع ذلك فلم تبين من أين وقع الاختلاف في المعنى مع الاتفاق في النفي!.

الصفحة 272