كتاب المآخذ على شراح ديوان أبي الطيب المتنبي (اسم الجزء: 1)

وقوله: (المتقارب)
وأعلمُ أني إذا ما اعتذَرْتُ ... إليك أرادَ اعتذَاري اعْتِذَارا
قال: أي: اعتذاري من غير ذنب منكر، ينبغي أن اعتذر منه.
وقال الواحدي: أي: إذا اعتذرت إليك من غير جناية، كان ذلك كذبا، والكذب مما يعتذر منه.
وأقول: الاعتذار إنما يكون من القبيح الذي يصل إلى من يتعذر إليه، إذ الحسن لا يعتذر منه، وإنما يفعله الإنسان إلى صاحبه حسن أدب ولطف تأت استبقاء لوده، واستلالا لضغنه. فالاعتذار إذا من غير ذنب ذنبٌ لأنه إقرار بالقبيح على نفسه، والعاقل لا يقر على نفسه بالقبيح ثم يعتذر منه! وهذا - لعمري - قد يحسن مع الملوك والأحباء؛ لأنه ربما أفضى بهم الدلال والإدلال إلى التجني على الإنسان بذنوب لم يقترفها، فيحتاج إذا إلى الاعتذار منها، بل ربما جرى بينه وبينهم أشياء، كان الذنب لهم فيها فجعله لنفسه استبقاء للود، وخوفا على النفس، ورجاء للنفع، وقد قال الشاعر: (البسيط)
إذَا مَرِضنَا أَتَيْناكُم نَعُودكُمُ ... وتُذنِبونَ فَنأْتيكمْ فنعتَذِرُ

الصفحة 98