كتاب الفصول في الأصول (اسم الجزء: 1)

عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 217] . وقَوْله تَعَالَى {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2] فَاقْتَضَى ذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ وَهُوَ خَاصٌّ فِيمَا وَرَدَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وَكَانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْأَمْرُ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ عَامَّةً مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصِ وَقْتٍ مِنْ وَقْتٍ فَأَوْجَبَتْ نَسْخَ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ لِاشْتِمَالِ اللَّفْظِ عَلَى قَتْلِهِمْ عَامَّةً مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ مِنْهُ فِيهِ لِلشَّهْرِ الْحَرَامِ فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إلَّا الْأَمْرَ بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ لَكَانَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَظْرِهِ فِيهِ مَنْسُوخًا بِهِ.
فَإِذَا وَرَدَتْ الْإِبَاحَةُ بِعُمُومِ لَفْظٍ تَنَاوَلَ إبَاحَتُهُ لِلشَّهْرِ الْحَرَامِ وَفِي غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَجْعَلَهُ مُرَتَّبًا عَلَى الْخُصُوصِ بَلْ وَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا عَلَيْهِ نَاسِخًا (لَهُ) كَمَا يَنْسَخُهُ لَوْ أَبَاحَهُ مُنْفَرِدًا بِذِكْرِهِ دُونَ غَيْرِهِ. وَأَيْضًا: فَمِنْ حَيْثُ كَانَ وُرُودُ الْخُصُوصِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ حُكْمِ الْعُمُومِ نَاسِخًا لِمَا قَابَلَهُ مِنْهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعُمُومُ الْوَارِدُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْخُصُوصِ نَاسِخًا لَهُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّمَا يَسُوغُ اعْتِبَارُ الْعُمُومِ فِيمَا ذَكَرْت إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْهُ لَفْظُ خُصُوصٍ بِخِلَافِ حُكْمِهِ.

الصفحة 386