كتاب الفصول في الأصول (اسم الجزء: 1)

فَأَمَّا إذَا كَانَ الْخُصُوصُ مُتَقَدِّمًا فَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعُمُومُ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ. قِيلَ لَهُ: وَلِمَ قُلْت ذَلِكَ؟ لِأَنَّ مَا وَرَدَ بِلَفْظِ الْخُصُوصِ لَا يَجُوزُ نَسْخُهٌ بَعْدَ ثُبُوتِ حُكْمِهِ؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ. قِيلَ لَهُ: إنَّمَا الْكَلَامُ بَيْنَنَا (وَبَيْنَك) فِيمَا يَجُوزُ نَسْخُهُ لَوْ أُفْرِدَ بِهِ، فَقُلْنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ إفْرَادِهِ بِلَفْظٍ خَاصٍّ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ فِيمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ الْحُكْمِ يُوجِبُ نَسْخَهُ وَبَيْنَ وُجُوبِ نَسْخِهِ بِلَفْظِ عُمُومٍ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ. وَإِذْ جَازَ نَسْخُهُ فَمَا الَّذِي يَمْنَعُ اعْتِبَارَ الْعُمُومِ الْوَارِدِ بَعْدَهُ بِإِيجَابِ نَسْخِهِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَرِدَ بَعْدَ الْخُصُوصِ لَفْظٌ يُقَابِلُ الْخُصُوصَ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ حُكْمِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَرِدَ لَفْظُ عُمُومٍ يَنْتَظِمُ الْخُصُوصَ وَغَيْرَهُ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَنَا أَنَّهُ لَوْ اخْتَصَّ فِي الْحُكْمِ الثَّانِي عَلَى مِقْدَارِ مَا يُقَابِلُ الْخُصُوصَ الْمُتَقَدِّمَ كَانَ نَاسِخًا لَهُ فَهَلَّا لَزِمْت هَذَا الِاعْتِبَارَ فِي إيجَابِ نَسْخِهِ إذَا ذُكِرَ مَا يَتَنَاوَلُ لَفْظَ الْحُكْمِ الْمُتَقَدِّمِ (وَيَزِيدُ) عَلَيْهِ.
فَإِنْ قَالَ: لِأَنَّ الْحُكْمَ الْخَاصَّ مُتَيَقَّنٌ بِثُبُوتِهِ، وَنَسْخُهُ بِالْعَامِّ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، إذْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْعَامُّ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ نَسْخُهُ بِالشَّكِّ. قِيلَ (لَهُ: مَا) مَعْنَى قَوْلِك إنَّ الْحُكْمَ الْخَاصَّ مُتَيَقَّنٌ ثُبُوتُهُ أَعَنَيْت بِهِ أَنْ كَانَ مُتَيَقَّنًا قَبْلَ وُرُودِ الْعَامِّ الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ بِخِلَافِهِ أَوْ أَرَدْت أَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بَعْدَ وُرُودِ الْعَامِّ؟ .
فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَنَّهُ كَانَ مُتَيَقَّنًا قَبْلَ وُرُودِ اللَّفْظِ الْعَامِّ.
قِيلَ لَهُ: فَهَذَا مَا (لَا) يُخَالِفُ فِيهِ وَلَيْسَ هُوَ مَوْضُوعَ الْمُنَازَعَةِ فَمَا الدَّلَالَةُ مِنْهُ عَلَى

الصفحة 387