كتاب الفصول في الأصول (اسم الجزء: 1)

وَلَيْسَ يَجِبُ إذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ يَجْعَلُ الْأَصْنَامَ مَعَ عَبَدَتِهَا فِي النَّارِ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمُ (الْمَلَائِكَةِ وَالْمَسِيحِ) (لِأَنَّهُمْ) مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَوْلِيَائِهِ وَمَنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ فِي الْآخِرَةِ.
ثُمَّ لَمْ يَدَعْهُمْ وَمَا اعْتَرَضُوا بِهِ حَتَّى أَنْزَلَ {إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] وَعَلَى أَنَّ مَا سَبَقَ مِنْ وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْبِيَاءَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ الْجَنَّةَ خَبَرٌ لَا يَجُوزُ النَّسْخُ وَالتَّبْدِيلُ فِي مَخْبَرِهِ، وقَوْله تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} [الأنبياء: 101] خَبَرٌ وَرَدَ بَعْدَهُ فَلَا بُدَّ لَهُ وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُهُ مَخْرَجَ عُمُومٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ كَمَا يَكُونُ الْعُمُومُ مُرَتَّبًا عَلَى أَحْكَامِ الْعَقْلِ الَّتِي لَا يَجُوزُ فِيهَا النَّسْخُ وَالتَّبْدِيلُ.
، وَذَلِكَ ضَرْبٌ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى وُجُوبِ تَرْتِيبِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَقَدْ عَقَدْنَا فِي أَصْلِ الْمَذْهَبِ جَوَازَ ذَلِكَ بِدَلَالَةٍ. وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى {وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنبياء: 98] لَمْ يَرِدْ إلَّا مُرَتَّبًا عَلَى مَا فِي الْعَقْلِ مِنْ امْتِنَاعِ جَوَازِ تَعْذِيبِ الْمَلَائِكَةِ وَالْمَسِيحِ فِي الْآخِرَةِ. وَذَكَرَ أَيْضًا «قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 24] حِينَ دَعَاهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يُجِبْهُ» .

الصفحة 394