كتاب الفصول في الأصول (اسم الجزء: 1)

إمَّا أَنْ يَعْمَلَ النَّاسُ بِهِمَا جَمِيعًا فَيُسْتَعْمَلَانِ وَيُرَتَّبُ الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ «كَنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرُخْصَتُهُ فِي السَّلَمِ بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» أَوْ يَتَّفِقُوا عَلَى اسْتِعْمَالِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَالْعَمَلُ عَلَى مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ (وَالْآخَرُ) مَنْسُوخٌ. أَوْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ فَيَعْمَلُ بَعْضُ النَّاسِ بِأَحَدِ الْخَبَرَيْنِ وَالْعَامَّةُ تُخَالِفُهُ وَتَعِيبُ عَلَيْهِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ فَالْعَمَلُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَامَّةُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَنَعْنِي بِالْعَامَّةِ عَامَّةَ فُقَهَاءِ السَّلَفِ نَحْوُ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ» . وَرَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَنَّهُ قَالَ) «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» وَالْأَمْرُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لِأَنَّهُ مُفَسَّرٌ لَا يَحْتَمِلُ الْمَعَانِيَ وَحَدِيثُ أُسَامَةَ يَحْتَمِلُ الْمَعَانِيَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا أَوْ مَحْمُولًا عَلَى مُوَافَقَةِ الْأَوَّلِ فِي الْجِنْسَيْنِ.
وَقَالَ عِيسَى (أَيْضًا) فِي الْخَبَرَيْنِ الْمُتَضَادَّيْنِ إذَا عَمِلَ النَّاسُ بِالْأَوَّلِ مِنْهُمَا، وَاَلَّذِي يَعْمَلُ بِالْآخِرِ شَاذٌّ خَامِلٌ. وَيُسَوِّغُ الْأَوَّلُونَ الِاجْتِهَادَ لِهَؤُلَاءِ وَكَانَ سَبِيلُهُ الِاجْتِهَادَ لِأَنَّهُمْ قَدْ سَوَّغُوهُ وَإِنْ عَابُوهُ عَلَيْهِمْ فَالْعَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ وَلَا يُعْمَلُ بِالْآخِرِ.

الصفحة 408