كتاب الفصول في الأصول (اسم الجزء: 1)

مَا صَارَ إلَيْهِ الْجَمَاعَةُ مِنْ حُكْمِ الْخَبَرَيْنِ أَوْلَى بِالِاسْتِعْمَالِ.
، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْخَاصِّ وَالْعَامِّ فَقَضَى (بَعْضُهُمْ) بِالْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَقَضَى بَعْضُهُمْ فِيهِمَا بِالتَّرْتِيبِ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ بَعْضِهِمْ النَّكِيرُ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا صَارُوا إلَيْهِ.
فَإِنَّ مَا كَانَ طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادَ وَالِاسْتِدْلَالَ بِالْأُصُولِ عَلَى مَا يَجِبُ مِنْ حُكْمِهِمَا مِنْ قِبَلِ أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْعَامَّ إذَا وَرَدَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ حُكْمِ الْخَاصِّ كَانَ قَاضِيًا عَلَيْهِ (وَ) نَاسِخًا لَهُ وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا وَاحْتَمَلَ فِيمَا وَصَفْنَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ التَّارِيخُ أَنْ يَكُونَ الْخَاصُّ وَارِدًا بَعْدَ الْعَامِّ فَيَجِبُ التَّرْتِيبُ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَا وَرَدَا مَعًا فَيَجِبُ التَّرْتِيبُ أَيْضًا، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْعَامُّ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ حُكْمِ الْخَاصِّ فَيَكُونُ نَاسِخًا (لَهُ) لَمْ يَجُزْ لَنَا الْقَضَاءُ بِشَيْءٍ هَذِهِ الْوُجُوهُ دُونَ الْآخَرِ لِاحْتِمَالِهِمَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ اللَّفْظِ الْمُحْتَمِلِ لِلْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ إذَا وَرَدَ مُطْلَقًا وَلَيْسَ بَعْضُ الْمَعَانِي لِلَّذِي يَحْتَمِلُ بِأَوْلَى (بِهِ) مِنْ بَعْضٍ فَيَحْتَاجُ فِي إثْبَاتِ حُكْمِهِ إلَى دَلَالَةٍ غَيْرِهِ وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ وُرُودَ الْعَامِّ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ حُكْمِ الْخَاصِّ يُوجِبُ نَسْخَهُ، فَمَنْ سَلَّمَ هَذَا الْأَصْلَ ثُمَّ قَالَ مَعَ ذَلِكَ إنِّي أُرَتِّبُ الْعَامَّ عَلَى الْخَاصِّ مَعَ عَدَمِ التَّارِيخِ وَوُجُودِ الْخِلَافِ فِيهِ بَيْنَ السَّلَفِ وَتَسْوِيغِهِمْ الِاجْتِهَادَ فِيهِ بِتَرْكِهِمْ النَّكِيرَ عَلَى مُخَالِفِهِمْ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ يَرْجِعُ إلَيْهَا فِي إيجَابِ التَّرْتِيبِ كَانَ مُتَعَسِّفًا قَائِلًا لِمَا لَا دَلِيلَ لَهُ عَلَيْهِ.

الصفحة 414