كتاب فقه السنة (اسم الجزء: 1)

ولاية القضاء، وامتنع الناس عن إفتائه، ونسبت إليه البدعة فابتسم البلقيني ووافقه على ذلك.
وبالعكوف على التقليد، وفقد الهداية بالكتاب والسنة، والقول بانسداد باب الاجتهاد وقعت الامة في شر وبلاء ودخلت في جحر الضب الذي حذرها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان من آثار ذلك أن اختلف الامة شيعا وأحزابا، حتى إنهم اختلفوا في حكم تزوج الحنفية بالشافعي، فقال بعضهم: لا يصح، لانها تشك (1) في إيمانها، وقال آخرون، يصح قياسا على الذمية، كما كان من آثار ذلك انتشار البدع، واختفاء معالم السنن، وخمود الحركة العقلية، ووقف النشاط الفكري) ، وضياع الاستقلال العلمي، الامر الذي أدى إلى ضعف شخصية الامة، وأفقدها الحياة المنتجة، وقعد بها عن السير والنهوض، ووجد الدخلاء بذلك ثغرات ينفذون منها إلى صميم الاسلام.
مرت السنون، وانقضت القرون، وفي كل حين يبعث الله لهذه الامة من يجدد لها دينها، ويوقظها من سباتها، ويوجهها الوجهة الصالحة، إلا أنها لا تكاد تستيقظ حتى تعود إلى ما كانت عليه، أو أشد مما كانت.
وأخيرا انتهى الامر بالتشريع الاسلامي، الذي نظم الله به حياة الناس جميعا، وجعله سلاحا لمعاشهم ومعادهم، إلى دركة لم يسبق لها مثيل، ونزل إلى هوة سحيقة، وأصبح الاشتغال به مفسدة للعقل والقلب، ومضيعة للزمن، لا يفيد في دين الله، ولا ينظم من حياة الناس.
وهذا مثال لما كتبه بعض الفقهاء المتأخرين: عرف ابن عرفة الاجارة فقال، بيع منفعة ما أمكن نقله، غير سفينة ولا حيوان، لا يعقل بعوض غير ناشئ عنها، بعضه يتبعض بتبعيضها.
فاعترض عليه أحد تلاميذه، بأن كلمة بعض تنافي الاختصار، وأنه لا ضرورة لذكرها، فتوقف الشيخ يومين، ثم أجاب بما لا طائل تحته.
__________
(1) لان الشافعية يجوزون أن يقول المسلم: أنا مؤمن إن شاء الله.

الصفحة 14