كتاب الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع (اسم الجزء: 1)

ثم هنا إشكالات يجب إيرادها وحلها:
الأول: أنا لما قيدنا الجميل بالاختياري -في المعنى اللغوي للحمد- خرج الوصف بالصفات الذاتية من أن يكون حمدًا، لكونها قديمة (١)، وكل اختياري حادث، وقد يجاب: بأن تلك الصفات تقع محمودًا بها في مقابله، أو اختياري: هو محمود عليها، فيدخل في المحمودية، وهو كاف، وليس بشيء إذ في مقام الحمد لا يجب ملاحظة المحمود عليه، بل الحق: أن الوصف الاختياري أعم من أن يكون بالذات أو بالواسطة، وتلك الصفات -وإن لم تكن بالذات- اختيارية، لكن آثارها اختيارية: كآثار الإرادة، والقدرة، والحياة.
فإن قلت: إذا وُصف الجواد بجوده لكونه جوادًا، فيكون المحمود عليه والمحمود به متحدين، وهما غيران ضرورة (٢).
قلت: يُكتفى -حينئذ- بالمغايرة الاعتبارية، ولا غَرْوَ في ذلك.
الإشكال الثاني: أنه أتى بكاف الخطاب مع الحمد، وكان المناسب الاسم الظاهر -أعني كلمة الجلالة أو غيرها من أسمائه الحسنى- إذ العبد
---------------
(١) لأن صفاته الذاتية قديمة بقدم ذاته سبحانه، وهذا متفق عليه بين أهل السنة والجماعة.
أما الوصف الاختياري الصادر من العبد: كالحمد ونحوه، فهو حادث لكونه يحدث بين الحين والآخر، عندما يتذكر العبد نعم الله عليه، وبره وإحسانه، فيثني عليه ويحمده ويمجده.
(٢) لأن المحمود عليه يكون نعمة ما، والمحمود به قول المنعم عليه: الحمد لله مثلًا.

الصفحة 174