كتاب الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع (اسم الجزء: 1)

يجب عليه أن يستقصر نفسه في مقام الحمد، ويستبعدها عن عز ساحة حضرته تعالى وتقدس، وبصيغة الغَيبَة ورد -أيضًا- التعليم من الله تعالى لعباده في كلامه القديم في مواضع شتّى (١)، ولم يقع العدول عنه قطُّ، فلو كان الخطاب لائقًا لسوَّغه في موضع ما.
قلت: لمّا أوقع الحمد هنا في مقابلة النعم التي لا يمكن عدها وإحصاؤها، فضلًا عن إمكان الإتيان بشكرها، وتأمل في مُولي تلك النعم، جليلها وحقيرها، عاجلها وآجلها، ظاهرها وباطنها، معقولها ومحسوسها، قاصرها ومتعديها، ورآها فائتة الحصر توجه بشراشره (٢) إلى ذلك المولي
---------------
(١) كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: ١].
وقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} [الكهف: ١].
وقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [فاطر: ١].
(٢) الشراشر: النفس والمحبة جميعًا، أو هي محبة النفس، وقيل: جميع الجسد، وألقى عليه شراشره: وهو أن يحبه حتى يستهلك في حبه، وقال اللحياني: هو هواه الذي لا يريد أن يدعه من حاجته، يقال: ألقى عليه شراشره، أي: أثقاله، وشَرشرَ الشئَ: قَطَّعَه، وكل قطعة منه شِرْشِرَة.
وفي حديث الرؤيا: "فيشرشر شدقه إلى قفاه" قال أبو عبيد: يقطعه ويشقه، قال أبو زيد في وصف الأسد:
يظل مغبًّا عنده من فرائس ... رفاة عظام أو عريض مشرشر
راجع: اللسان: ٦/ ٦٩ - ٧٠، والقاموس المحيط: ٢/ ٥٧.

الصفحة 175