كتاب الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع (اسم الجزء: 1)

الحقيقي، فقال: يا من استغرق الحامدون في بحار نعمه نحمدك، فكان بمقتضى البلاغة الإتيان بالكاف واجبًا لا يجوز العدول عنه عند من له ذوق سليم.
الإشكال الثالث: عدل عن همزة المتكلم وأتي بالنون، مع أنه في مقام العجز والاستقصاء، فالمناسب انفراده عن الغير ليكون أقرب إلى المقصود.
والجواب: إنما عدل إلى نون الجمع لنكتة سرية، وهي أنّا لمّا قدمنا أنه أوقع الحمدَ في مقابلة تلك النعم الفائتة الحصر، أدرج نفسه في جماعة الحامدين من الملائكة، والإنس، والجن، وكل من يتأتى منه الحمد: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} (١)؛ ليكون أبلغ في المرام، وأقضى لحق المقام، فكأنه قال: يا من هذا شأنه نحمدك كلنا معاشر الحامدين بكل محامدك، أي: بكل أوصافك الجميلة، وإن لم نحط بها علمًا، وهذا نهاية درك العارف في مقام الحمد.
وظهر لك -من هذا التحقيق- أن ما قيل (٢): إنما ذكر نون العظمة لإظهار ملزومها الذي هو نعمة من تعظيم الله له بتأهيله للعلم امتثالًا لقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: ١١]، مما لا يلتفت إليه، وليس له معنًى صحيح، مع قطع النظر عن هذا المقام، وما قيل (٣): من أن المراد بقوله:
---------------
(١) قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: ٤٤].
(٢) القائل هو الجلال المحلي، راجع: شرحه على جمع الجوامع: ١/ ٧ - ٨.
(٣) القائل هو الجلال المحلي، راجع: شرحه على جمع الجوامع: ١/ ٧.

الصفحة 176