كتاب الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع (اسم الجزء: 1)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
---------------
= الحارث بن عمرو عن رجال من أصحاب معاذ عن معاذ بن جبل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يبعث معاذًا إلى اليمن قال: "كيف تقضى إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضى بكتاب الله. قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدره، وقال: الحمد الله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله".
هذا الحديث يذكره الفقهاء في كتبهم، ويعتمدون عليه، ومعناه صحيح أما ثبوته، فقد اختلف فيه لجهالة الحارث بن عمرو وأصحاب معاذ، فأبو داود سكت عنه، وصحح الدارقطني إرساله، وقال الترمذى: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل. وضعفه البخاري، وابن الجوزي، وابن حزم، وكذب تواتره، وعده الجوزقاني في الموضوعات، وحكم بأنه باطل.
وقد مال إلى القول بصحته غالب الفقهاء، وقوى جانبهم أبو بكر الرازي، وأبو بكر ابن العربى، والخطيب البغدادي، والحافظ ابن القيم وقالوا: الحارث بن عمرو ليس مجهول العين، فهر ابن أخي المغيرة بن شعبة، ولا مجهول الوصف لأنه من كبار التابعين، والشيوخ الذين روى عنهم هم من أصحاب معاذ، ولا أحد من أصحاب معاذ مجهول فهم معروفون بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى، وليس فيهم متهم، ولا كذاب، ولا مجروح إضافة إلى أن الخطيب البغدادي ذكر له طريقًا آخر عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ، وهو إسناد متصل، ورجاله معروفون بالثقة مع أن أهل العلم قد نقلوه واحتجوا به، فوقفنا بذلك على صحته عندهم كما وقفنا على صحة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا وصية لوارث"، وقوله -في البحر-: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته"، وقوله: "الدية على العاقلة" وقوله: "إذا اختلف المتبايعان -في الثمن والسلعة قائمة- تحالفا وترادا البيع". وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة المسند، ولكن لما تلقتها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها -عندهم- عن طلب الإسناد لها، فكذلك حديث معاذ لما احتجوا به جميعًا غنوا عن طلب الإسناد له. =

الصفحة 212