كتاب الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع (اسم الجزء: 1)

فالحكم -وهو الإيجاب مثلًا- له تعلق بفعل المكلف، وإن كان معدومًا (١)، فبالنظر إلى نفسه التي هي صفة الله -تعالى- إيجابًا، وبالنظر إلى ما تعلق به، وهو فعل المكلف يسمّى: وجوبًا، فهما متحدان بالذات، مختلفان بالاعتبار (٢)، ولهذا نرى المحققين تارة يعرفون الإيحاب، وتارة يعرفون الوجوب نظرًا إلى الاعتبارين.
هذا حاصل كلامه، مع توضيح له من جهتنا، والله الموفق.
وهنا اعتراض أقوى أورده القاضي أبو بكر الباقلاني (٣) على حد الفقه، وهو أن الفقه: هو الظن بالأحكام الشرعية لا العلم بها؛ لأن الأحكام
---------------
(١) لأن الحكم الذي هو الخطاب إرادة طلب الفعل ممن سيوجد ويتهيأ لفهمه، فضبح من هذه الحيثية في الأزل، ويوجه إلى المعدوم.
راجع: شرح تنقيح الفصول: ص/ ٧٠، ونهاية السول: ١/ ٤٨، وتيسير التحرير: ٢/ ١٣١، والمحلي على جمع الجوامع: ١/ ٤٨ - ٤٩.
(٢) قلت: الإيجاب نفس خطاب الشارع الطالب للفعل طلبًا جازمًا، وهو الحكم المصطلح عليه عند الأصوليين، وقد تقدم، والوجوب هو الأثر الذى ترتب عليه الإيجاب، واتصف به الفعل، وهو الحكم المصطلح عليه عند الفقهاء، وقد تقدم. والواجب هو الفعل الذي تعلق به الإيجاب واتصف بالوجوب.
(٣) هو أبو بكر محمد بن الطيب بن جعفر، المتكلم المشهور بالباقلاني، ولد سنة (٣٣٨ هـ)، كان متكلمًا على مذهب الأشاعرة، وأما في الفروع، فقد تنازع أرباب المذاهب فيه، فقيل: كان مالكيّا، وقيل شافعيًّا، كما كان أصوليًّا، فقيهًا، مشهورًا بالمناظرة والرد على المخالفين، جيد الاستنباط، سكن بغداد، وتوفي في سنة (٤٠٣ هـ)، له مؤلفات كثيرة منها: الإنصاف في علم الكلام، والتقريب، والإرشاد في أصول =

الصفحة 221