كتاب الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع (اسم الجزء: 1)

واحد من الأمرين كاف في إفادة هذا المطلوب، ولا أن دليل الأشعري منحصر في إثبات المطلوب في هذين الأمرين، بل له أدلة أخرى مذكورة في كتب الأحكام (١).
وذهبت المعتزلة: إلى أن الحاكم -في أفعال العباد- هو العقل، بمعنى أن العقل هو الموجب والمحرم والمبيح لذوات الأفعال، وهذا عند طائفة منهم.
وذهبت طائفة: إلى أن الحسن والقبح في الفعل يكونان لصفة توجبهما.
وقال آخرون منهم: إن قبح الفعل يكون لصفة توجبه، وأما حسن الفعل، فيتحقق بفقدان موجب القبح (٢).
---------------
(١) راجع: المحصول: ١/ ق ١/ ١٥٩، والإحكام للآمدي: ١/ ٧٤، ونهاية السول: ١/ ٢٥٨.
(٢) ورغم اختلافهم المذكور إلا أنهم يرجعون في ذلك كله إلى العقل، وإن كانوا قد اختلفوا في الإطلاق والتخصيص كما ذكر الشارح.
بيان آخر لتحرير محل النزاع، وهو أن لفظ الحاكم له معنيان:
الأول: منشيء الأحكام، ومثبتها، ومصدرها، ومجددها.
الثاني: مدركها، ومظهرها، والمعرف لها، والكاشف عنها.
فالأول -وهو المراد عند الإطلاق- لا خلاف فيه بين المعتزلة وأهل السنة في أنه هو الله وحده، وأن العقل لا يسمى به، وأنه لا دخل له في إثبات الأحكام وإنشائها، وإصدارها، وتجديدها، وبهذا قال سائر الأمة، وأطبق عليه الجميع.
وأما بالنظر إلى المعنى الثاني، فهذا هو محل الخلاف الذي ذكره الشارح وغيره بين أهل السنة والمعتزلة، كما أن العقل عند المعتزلة لا يعنون به أنه ينفرد بإدراك جميع الأحكام، ويستقل تمام الاستقلال بذلك، ولا حاجة أصلًا إلى ورود الشرع وإظهاره، =

الصفحة 228