كتاب الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع (اسم الجزء: 1)

والدليل العام على الكل:
أما عقلًا: فلأن الحسن والقبح لو كانا لذات الفعل، أو لصفة فيه لما تساوت الأفعال بالنسبة إلى الأحكام، بل يكون بعضها راجحًا بالنظر إلى الحكم، وبعضها مرجوحًا، فلا يكون الباري -تعالى- مختارًا إذ الحكم بالمرجوح على خلاف العقل، فلا يصدر عنه لكنه ثبت بالدلائل القطعية أنه مختار، وهو مختار الخصم.
وأما نقلًا: فقوله تعالى: (وَمَابهُمًا {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٥]، ولو كان العقل موجبًا ومحرمًا لزم التعذيب قبل البعثة لتحقق الوجوب، والحرمة المستلزمة له لعدم جواز العفو -عندهم- لكن اللازم (١) باطل، فكذلك الملزوم (٢)، والحنفية (٣)، وإن لم يجعلوا العقل حاكمًا صريحًا، ولكن
---------------
(١) اللازم هنا هو التعذيب، وبطلانه من حيث إنه لم يأتهم رسول يبلغهم عن الله تعالى، كما ذكر في الآية المستدل بها، ومعناها أنه لا يعذب حتى يبعث رسولًا يبلغهم، وهذا بناء على أن الرسول المراد بالآية غير العقل كما هو الحق.
(٢) الملزوم: كون الشيء مقتضيًا للآخر، فالشيء الأول هو المسمى بالملزوم، والشيء الثاني هو المسمى باللازم، والملزوم هنا هو قولهم: بأن العقل موجب ومحرم وأنه المراد من الرسول في الآية: وهو باطل لأن الوجوب والتحريم لا يكونان إلا بالشرع.
راجع: التعريفات: ص/ ٢٢٩.
(٣) هم الماتريدية من الحنفية، حيث وافقوا المعتزلة في أنه لا بد أن يكون الفعل المأمور به قبل أن يؤمر به صالحًا لأن يؤمر به بأن يكون فيه مصلحة تقتضي حسنه، وتجعله صالحًا لأن يكون مناطًا للثواب على الفعل، والعقاب على الترك، ولا بد أن يكون =

الصفحة 231