كتاب الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع (اسم الجزء: 1)

لا يقال: لم لا يجوز أن تكون العلة تلك الفائدة في الدنيا، وهي الأمن من احتمال العقاب إذ العاقل يتفكر في نعم الله الجزيلة الواصلة إليه تترى، فيقول: لو لم أشكر مُولِي هذه النعم ربما أصابني شرارة من سطوة غضبه؟
قلنا: ذلك معلوم عدمه في أكثر الناس (١)، ولو سلم، فاحتمال العقاب -على فعل الشكر- أرجح لأمرين:
أحدهما: أن ذلك الشكر تصرف في ملك الغير؛ لأن العبد وما في يده لمولاه، فنفسه وما ينسب إليها ملك له تعالى، والتصرف في ملك الغير بغير إذنه من بواعث الانتقام.
الثاني: أن عبادة الثقلين -بالنسبة إلى كبريائه- كذرة (٢) بل دونها، وما ذلك إلا كرجل حضر مائدة ملك أحاط بأكناف البلاد شرقًا، وغربًا، وغمر أهلها عفوًا ونهبًا، وتناول من تلك المائدة لقمة، وشرع يدور في المحافل، ويقول: ليس على وجه الأرض أجود وأكرم من هذا السلطان، فإنه قد تصدق عليَّ بلقمة خبز، فإنه يعد استهزاء قطعًا، بل شكر العبد أقل قدرًا -بالنسبة إلى كبريائه تعالى- من شكر الفقير اللقمة بلا ريب.
---------------
(١) لأن القلة هم الذين يشعرون بنعم الله ويشكرونه عليها كما قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: ١٣] والكثرة من الناس عكس ذلك، كما قال تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [غافر: ٦١].
(٢) آخر الورقة (٧/ ب من أ).

الصفحة 234