كتاب الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع (اسم الجزء: 1)

قلنا: في تركه مجال لعدم إلزام الشارع (١)، واستدل الحنفية على لزوم لنفل بالشروع بقوله تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣].
---------------
(١) ذهب جماعة من الفقهاء إلى أن المندوب مكلف به، منهم الإسفراييني المذكور سابقًا، وبه قال الباقلاني كما نقل عنه ذلك إمام الحرمين وحجة الإسلام الغزالي والمجد بن تيمية، نسبه في المسودة إلى الحنابلة، واختاره منهم ابن النجار تبعًا لابن عقيل والموفق وابن قاضي الجبل والطوفي، لأن التكليف طلب ما فيه مشقة.
وذهب أكثر العلماء إلى أن المندوب ليس تكليفًا؛ لأن التكليف إلزام ما فيه مشقة فالتكليف عندهم يشمل الإيجاب والتحريم فقط، وتكون تسمية الأحكام الثلاثة أحكاما تكليفية من باب التغليب، أما عند القاضي والأستاذ وغيرهما فإن التكليف يشمل الإيجاب والتحريم والكراهة والندب ولا يشمل الإباحة، وتسميتها حكمًا تكليفيًّا من باب التغليب، مع أن الأستاذ قد نقل عنه أن المباح حكم تكليفي.
قلت: ويمكن الجمع بين القولين بان المندوب فيه تكليف غير أنه ليس على سبيل الإلزام بل هو مطلوب منه، وهو مخير بعد ذلك بين أن يفعله على ما فيه من كلفة ومشقة، فيحصل له الثواب أو يتركه، فلا يأثم، فيدخل تحت قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: ٩٠].
فأمر بهذه الأشياء وفيها الإحسان وإيتاء ذى القربى، وفيهما ما هو مندوب، وفعله له لطلب الثواب بامتثال الأمر فيه مشقة وتكليف.
راجع: البرهان: ١/ ١٠١، والمنخول: ص /٢١، والروضة ص / ٦، والإحكام للآمدي: ١/ ٩٢، والمسودة: ص / ٣٥، وشرح العضد على ابن الحاحب: ٢/ ٥، وشرح تنقيح الفصول: ص / ٧٩، ومختصر الطوفي: ص /١١، ومختصر ابن اللحام: ص / ٦٣، وسلاسل الذهب: ص / ٣١، وفواتح الرحموت: ١/ ١١٢، وتيسير التحرير: ٢/ ٢٢٤، والمحلى على جمع الجوامع: ١/ ١٧١، وشرح الكوكب المنير: ١/ ٤٠٥، وهامش المحصول: ١/ ق ١/ ١١٤.

الصفحة 261