كتاب الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع (اسم الجزء: 1)
ووجه الاستدلال: أنّ أعمالكم لفظ عام يشمل الأعمال الشرعية كلها مندوبة ومفروضة، فيجب القول باللزوم لعدم الفارق (١).
---------------
(١) ذهب الأحناف إلى أن من شرع في أداء تطوع من صلاة وصيام، وغيرهما يلزمه الإتمام، فإن خرج منهما لعذر لزمه القضاء، ولا إثم عليه، وإن خرج بغير عذر لزمه القضاء، وعليه الإثم، وبه قالت المعتزلة.
واستدلوا بالآية السابقة وبحديث طلحة بن عبيد الله رضى الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال للأعرابى الذي سأله عن الإسلام: "خمس صلوات في اليوم والليلة، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوع " وهذا الاستثناء متصل، فمقتضاه وحوب التطوع بمجرد الشروع فيه. راجع: صحيح مسلم: ٣٠/ ١، واحتجوا بالقياس على حج التطوع وعمرته، فإنهما يلزمان بالشروع بالإجماع.
وقال مالك وأبو ثور: يلزمه الإتمام، فإن خرج بلا عذر لزمه القضاء، وإن خرج بعذر فلا قضاء.
وذهب آخرون إلى أنه يستحب البقاء والإتمام، وإن خرج منها بلا عذر ليس بحرام ولا يجب قضاؤها، وهو قول عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وسفيان الثورى، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فقال: "هل عندكم شئ؟ فقلنا: لا قال: فإني صائم، ثم أتانا يومًا آخر، فقلنا: يا رسول الله، أهدي لنا حيس، فقال: أرنيه، فلقد أصبحت صائمًا، فأكل" راجع: صحيح مسلم: ٣/ ١٥٩، وسنن أبي داود: ٢/ ٥٧١، وسنن النسائي: ٤/ ١٩٣، وسنن ابن ماجه: ١/ ٥٢٠.
وأما النهي عن إبطال الأعمال في الآية، فيحمل على التنزيه جمعًا بين الأدلة، أو أن المراد منها لا تبطلوها بالردة أو الرياء، وهو مذهب ابن عباس، ومقاتل، وابن جريج. وقالت المعتزلة: لا تبطلوها بالكبائر؛ بناء على أن كبيرة واحدة -عندهم- تحبط ما تقدم من الحسنات ولو كانت مثل زبد البحر، لأن الفاسق عندهم مخلد في النار =
الصفحة 262
508