كتاب الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع (اسم الجزء: 1)

ثم لبعض الشراح هنا كلام عجيب، وهو أنه قال: لا يتصور لنا حج تطوع لأن المخاطب به هو المستطيع، فإن لم يحج فالحج في حقه فرض عين، وإن كان قد حج ففرض كفاية (١).
وقد ذهل عن معنى الاستطاعة، فإن الاستطاعة المعتبرة من الزاد والراحلة وأمن الطريق وغيرها، إنما هي شروط الوجوب بناء على التيسير والتسهيل، وذلك لا ينافي أن يحمل عادم هذه الأشياء المشقة، ويتبرع بما لم يوجب الشارع عليه كما في الصدقة، على ما أشار إليه أكرم الخلق -صلى الله عليه وسلم-، بقوله: "أفضلُ الصدقةِ جُهد المُقِلِّ" (٢).
---------------
(١) صاحب هذا القول هو الإمام الزركشي، ثم علل كلامه بقوله: "لأن إقامة شعائر الحج من فروض الكفاية على المكلفين، وهي وجهة نظر للإمام رحمه الله، وأحسن منه ما تقدم قبله" تشنيف المسامع: ق (٨/ أ).
(٢) هذا جزء من حديث طويل رواه عبد الله بن حبشي الخثعمي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان لا شك فيه، وجهاد لا غلول فيه، وحجة مبرورة، قيل: فأيُّ الصلاة أفضل؟ قال: طول القيام، قيل: فأيُّ الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل ... " الحديث. رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والحاكم، وصححه، ورواه الطبراني من حديث أبى أمامة، وحكم الألباني بضعفه حيث جعله في ضعيف الجامع الصغير. وقد روى مسلم قوله: "أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت".
وروى ابن حبان قوله: "أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيله".
راجع: مسند أحمد: ٣/ ٤١١ - ٤١٢، وصحيح مسلم: ٣/ ١٧٥، وسنن أبى داود: ٢/ ٣٣٤ - ٣٣٥، وسنن النسائي: ٥/ ٥٨، وصحيح ابن حبان: ١/ ٣١٣، والمستدرك: ١/ ٤١٤، والجامع الصغير: ١/ ٥٠، وضعيفه: ١/ ٣١٨.

الصفحة 265