كتاب إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (اسم الجزء: 1)

واستنباطاً، وعلى سنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسيرته، واستنتج منهما الاستنتاجات العجيبة، وقد دوَّن هذه الاستنباطات المفيدة في كتبه ورسائله وفتاويه، وعكف على كتب الشيخين: شيخ الإسلام ابن تيمية. والشيخ الإمام ابن القيم، خصوصاً كتب العقيدة.
ثم علت به همته وطموحاته فسافر إلى علماء الحرمين وعلماء الأحساء وعلماء البصرة في العراق، والتقى بهم، وأخذ عنهم علماً غزيراً في الفقه والحديث وعلومه، حتى تضلع بالعلم، وأخذه عن كل من تمكن من الالتقاء به من علماء عصره، ومطالعة كتب من تقدمهم من الأئمة المحققين، ودراسة التفسير والحديث دراسة فاحصة مدققة.
وعندما نظر إلى واقع أهل عصره وجد البون شاسعاً بين هذا الواقع وبين ما دل عليه الكتاب والسنة، وما كان عليه أئمة السلف الصالح في الاعتقاد والمنهج.
فالعلماء في وقته في الغالب مشغولون بدراسة الفقه وعقائد علماء الكلام المخالفة لاعتقاد السلف، دون تمييز بين الصحيح والسقيم.
والعامة منهمكون في البدع والخرافات والشركيات ودعاء الأموات، دون أن يهب أحد من العلماء-فيما نعلم- لإصلاح هذا الواقع الأليم، والمرتع الوخيم.
عند ذلك لم يسع الشيخ محمداً رحمه السكوت عن التغيير والإنكار، والدعوة إلى الإصلاح، والعودة إلى كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتصفية العقيدة الإسلامية مما علق بها، وغير وجهها وبهجتها، وعكَّر صفوها ونظرتها.
فعزم على القيام بالدعوة إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، وباشر الدعوة في بلدة- حريملاء- التي استقر بها والده، ثم طورد منها ثم ذهب إلى العيينة ولم يستقر فيها فذهب إلى الدرعية فوجد فيها القبول والترحيب على يد أميرها: محمد بن سعود رحمه الله {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْر اً} (3)
فواصل الشيخ رحمه الله عمله في الدعوة إلى الله، وراسل علماء البلدان وأمراءها يدعوهم إلى الله، ويبين لهم ما هم واقعون فيه من مخالفات، وألف الكتب، وأجاب عن استشكالات من التبس عليهم الحق بالباطل؛ فاستجاب لدعوة الشيخ من كان رائده الحق، وعاند من كان دافعه التعصب للباطل، فلم ير الشيخ رحمه الله بداً من جهاد هؤلاء بالحجة واللسان من قبله وبالسيف والسنان من قبل ولاة الأمر من آل سعود أثابهم الله.

الصفحة 8