كتاب الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (اسم الجزء: 1)

وَأَنْقَى مِنْ أَنْ يَكُونَ نَاقِلُوهَا أَهْلَ اسْتِقَامَةٍ فِي الْحَدِيثِ،
وَ
ــ
وقولهُ: (وأَنْقَى) -بالنون والقاف- معطوفٌ على قوله: (أَسْلَمُ) أي: ونُقَدِّم الأخبارَ التي هي أَنْقَى وأَصْفَى وأَخْلَصُ باعتبار أسانيدها من العيوب كالإرسال والانقطاع والتدليس والتخليط؛ أي: أكثرُ نقاءً من العيوب من نقاء غيرها منها.
و(مِنْ) في قوله: (مِنْ أَنْ يكونَ نَاقِلُوها) تعليليةٌ (١) متعلِّقةٌ بـ (أَسْلَمُ) و (أَنْقَى) على سبيل التنازع.
وعبارة السنوسي: (وهنا تمَّ الكلامُ على قوله: "أسلمُ" و"أنقى"، ثم ابتدأ ببيان سبب كونها أسلمَ وأنقى فقال: "مِنْ أنْ يكونَ ناقلوها أهل استقامةٍ" فالظاهرُ أَنَّ "مِنْ" تعليليةٌ، وعَدَلَ إِلى المضارع في قوله: "يكونَ"؛ لقَصْدِ الاستمرار، والله أعلم) اهـ (٢)
أي: فإِنَّا نتَوَخَّى أن نُقَدِّمَ الأخبارَ التي هي أَسْلَمُ وأَنْقَى من العُيُوبِ؛ لأجل كون رواتِها وناقليها (أهلَ استقامةٍ) وعدالةِ وثباتِ وثقَةٍ (في) علم (الحديثِ، و) أهلَ
---------------
(١) قال الإِمام النووي رحمه الله تعالى: (والظاهرُ أَنَّ لفظة "مِنْ" هنا للتعليل؛ فقد قال الإِمام أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن عمر الأسدي في كتابه "شرح اللمع" في باب المفعول له: اعْلَمْ: أَنَّ الباء تقوم مقام اللام، قال الله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}، وكذلك "مِنْ"، قال الله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ}، وقال أبو البقاء في قوله تعالى: {وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ}: يجوزُ أن يكون للتعليل، والله أعلم).
"شرح صحيح مسلم" (١/ ٥٠).
(٢) "مكمل إكمال الإكمال" (١/ ١٠)، وأكثر هذه العبارة من "شرح صحيح مسلم" النووي (١/ ٥٠)، وقال العلّامة السِّنْدي: (قولهُ: "فإنَّا نتَوَخَّى" خبرٌ عن "القسمُ الأولُ" بحسب المعنى؛ أي: فهي الأخبارُ التي هي أَسْلَمُ من العيوب التي تَوَخَّينا أنْ نُقَدِّمها، وقولهُ: "أَسْلَمُ وأَنْقَى" هما من السلامة والنقاء، وهما يتعدّيان بكلمة "مِن"، ولا بُدّ لهما بعد ذلك من كلمة "مِنْ" التفضيلية، فمِنْ في قوله: "من العيوب" للتعدية، و "مِن" في قوله: "مِنْ غيرِها" تفضيليةٌ، وهما متعلِّقان بـ "أَسْلَم"، ولا بُدَّ من تقديرِ مثلهما "لأَنْقَى"، تركتا لفظًا لدلالة العطف عليه، وأمَّا "مِنْ" في قوله: "مِنْ أنْ يكونَ" فتعليليةٌ؛ أي: لأجلِ أن يكون، وهذا هو الصواب، وأمَّا اعتبارُها تفضيليةً بتقديرِ "ذات" فلا وَجْهَ له عند التأمّل الصائب، فليُفهم). "الحل المفهم" (ص ٧).

الصفحة 99