كتاب المنصف لابن جني، شرح كتاب التصريف لأبي عثمان المازني
ما حكاه سيبويه أن من العرب من يقول في الوقف: "قالا" وهو يريد "قال", فيبين الحركة بالألف، وقد قالوا1 في الوقف: "أَنَهْ" فبينوا الفتحة بالهاء كما بينوها بالألف، وكلتاهما ساقطة في الوصل.
"إجراء العرب كثيرا من ألفاظها في الوصل مجراها في الوقف":
فأما قول الشاعر:
أنا سيف العشيرة فاعرفوني ... حميدا قد تذريت السناما
فإنه أجراه في الوصل على حد ما كان عليه في الوقف، وعلى هذا قول أبي النجم:
أنا أبو النجم وشعري شعري
أي: وشعري الذي سمعت به، وقد أجرت العرب كثيرا من ألفاظها في الوصل على حد ما تكون عليه في الوقف، وأكثر ما يجيء ذلك في ضرورة الشعر، حكى سيبويه عن العرب "ثلاثهَ رْبَعه" بفتح الهاء من ثلاثة وحذف الهمزة من أربعة وإلقاء حركتها على الهاء، وكان قياسه إذا حركها أن يردها تاء، إلا أنها لما كانت هاء في الوقف تركها في الوصل على ذلك، وأنشد سيبويه أيضا:
ضخما يحب الخلق الأضخما
يريد الأضخم خفيف الميم، وهذا التثقيل إنما يكون في الوقف ليعلم باجتماع الساكنين في الوقف أنه متحرك في الوصل، حرصا على البيان؛ لأنه معلوم أنه لا يجتمع في الوصل ساكنان، وعلى هذا قالوا: "خالد, وهو يجعل", فإذا وصلوا قالوا: "خالدٌ يا فتى" فكان سبيله إذا أطلق الميم في "الأضخم" بالنصب أن يزيل التثقيل، إلا أنه أجراه في الوصل مجراه في الوقف للضرورة، ومثله:
__________
1 في هذا الموضع زادت ظ، ش: في الشعر.
الصفحة 10
464