كتاب المنصف لابن جني، شرح كتاب التصريف لأبي عثمان المازني

رأي الفراء وأبي العباس المبرِّد في حذف الواو من "يَعِدُ، ويَزِنُ":
وقال الفراء: إن الواو إنما حُذفت من "يَعِد، ويزن" لأنهما متعديان. قال: وكذلك كل متعد. قال: ألا ترى أنهم قالوا: "وَجِل يَوْجَل، ووحل يوحل" فأثبتوا الواو لما كان "وجل، ووحل" غير متعديين.
وتعجب أبو العباس من هذا القول واستطرفه، وقال: إن التعدي وغير التعدي لا وجه لذكره في هذا الموضع. ألا ترى أنهم قد قالوا: "وَقَعَ يَقَعُ، ووضع في السير يضع، ووقَدَت النار تَقِد، ووَبَلَ المطر يَبِلُ، ووَأَلَ مما كان يحذره -أي نجا- يَئِلُ" ونحو ذلك, فحذفوا الواو وإن لم يكن في هذه الأفعال فعل متعد.
وأما1 "يَوْجَل، ويوحل" فلم تثبت فيه الواو من قبل أنه غير متعد، إنما ذاك من قبل أنه لا كسرة بعد الواو يجب به لاجتماع الياء معها الحذف.
باب "كرُم، يكرُم" وتباعده عن بابي "فَعِلَ، وفَعَلَ":
فأما قولهم: "كرم يكرم" فإنهم إنما2 أقروا في عين المضارع حركة الماضي؛ لأن هذا باب على حدته لا يكون متعديا أبدا، إنما يكون3 للهيئة التي يكون الشيء عليها, نحو: "ما كان ظريفا ولقد ظرُف، وما كان شريفا ولقد شرف", فتباعد هذا الفعل من باب "فعِل، وفعَل" اللذين قد يكون كل واحد منهما متعديا وغير متعد. فأُقرت في عين المضارع حركة عين الماضي؛ لأنه باب على حياله.
__________
1 ظ، ش: فأما.
2 إنما: ساقط من ظ، ش.
3 ظ، ش: هو, بدل: يكون.

الصفحة 188