كتاب المنصف لابن جني، شرح كتاب التصريف لأبي عثمان المازني

ويروى بِيبَا1, فإنما أراد به الإتباع لإقامة الوزن وأصل بنائها2 على "فِعْل" ساكنة العين. ألا ترى أن هذا الشعر من الضرب الثالث من المتقارب ووزنه في العروض فَعَل. وبيته:
وأبني3 من الشعر شعرا عويصا ... ينسي الرواة الذي قد رووا
فلو أسكن الجيم لفسد البيت كله؛ لأنه كان يصير ضربه على فِعْل, وهذا فاسد ممتنع. وأما قولهم: "رجل جِئِز، ومِحِك، ونِفِر" ونحوه, فإنما أصل بنائه على4 فَعِل كحَذِر. ولكنهم كسروا فاء الفعل إتباعا من أجل حرف الحلق، كما قالوا: شِعِير وبِعِير، فكسروا فاء الفعل لكسرة عينه وعلى هذا تقول: "في رَغِيف رِغِيف" بكسر الراء. وحكى أبو زيد عن العرب: "الجنة لمن خاف وِعِيدَ اللهِ" ولا تقول: "في جَرِيب وقَفِيز: جِرِيب ولا5 قِفِيز"؛ لأنه ليس ثاني حروفهما حرفا من حروف الحلق، فهذا تشعب, ثم نعود لما كنا فيه:
وفِعَل: يكون اسما وصفة. فالاسم نحو6 ضلع وعنب، والصفة: قوم عدى ومكان سوى. وقال النابغة:
باتت ثلاث ليالٍ ثم واحدة ... بذي المجاز تراعي منزلا زيما
وفُعْل: يكون اسما وصفة. فالاسم: قفل وبرد، والصفة: حلو ومر.
وفُعُل: يكون اسما وصفة. فالاسم عنق وطنب، والصفة: سرح وطلق.
وفُعَل: يكون اسما وصفة. فالاسم ربع وخزز، والصفة: ختع وسكع, وقال7 الراجز:
__________
1 ظ، ش: بئبا.
2 ظ، ش: بنائهما.
3 ظ، ش: وأروي بدل: وأبني، وهما روايتان.
4 على: زيادة في ظ، ش.
5 لا: ساقط من ظ.
6 نحو: زيادة من ظ، ش.
7 ظ: قال.

الصفحة 19