كتاب المنصف لابن جني، شرح كتاب التصريف لأبي عثمان المازني

المجلد الأول
مقدمة
...
وهي متوسطة الخط, كثيرة الهوامش والحواشي بين السطور، كثيرة الأخطاء، وفي مواضع كثيرة منها عبارات ساقطة يفسد المعنى بسقوطها، وفي بعض صفحاتها تقديم وتأخير.
وكنا -قبل عثورنا على النسخة الأولى- اعتمدنا على هذه النسخة, فكلفتنا جهدًا وعناء لسقمها, ورمزنا لها بالحرف "ظ".
الثالثة: نسخة مخطوطة بخط مغربي دقيق، وفي بعض حروفها غموض، وكان يملكها الإمام المرحوم محمد محمود بن التلاميذ التركزي المغربي الشنقيطي, وهي الآن في مكتبته بدار الكتب المصرية برقم 2 صرف ش.
في آخرها أنها عن نسخة محمد بن المظفر المخطوطة بمكتبة كوبرللي بالأستانة السابق ذكرها, كتبها للإمام الشنقيطي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن التلمودي الجزولي الحسني اليعلاوي في مدة آخرها منتصف ذي الحجة من سنة 1303هـ.
وهذه النسخة خالية من الهوامش والحواشي بين السطور التي اكتظّ بها الأصل الذي نقلت عنه لابن المظفر إلا القليل جدا الذي لا حكم له، وفيها تصويب لبعض أخطاء الأصل, غير أنها لم تسلم من سقوط العبارات الكثيرة التي سقطت من نسخة ابن المظفر، ومن بعض التحريف الذي وقعت فيه، ورمزنا لها بالحرف "ش".
وهي والنسخة الثانية لابن المظفر, مع ما فيهما من نقص وخطأ، قد انتفعنا بهما انتفاعا كبيرا، وبخاصة في المواضع الضائعة في الأولى في ملتقى كل صفحتين.
وجعل الكتاب في النسخة الأولى ثلاثة أجزاء: الأول: يشتمل على المتن والشرح جميعا، والثاني: تفسير المشكل من اللغات التي أوردها مؤلف المتن، والثالث: تفسير ما فيه من مشكلات عويص التصريف. وجعل في النسختين الثانية والثالثة أربعة أجزاء, بجعل المتن والشرح فيهما جزأين، وقد جعلنا هذه النسخة المطبوعة أربعة أجزاء مثلهما.
علم التصريف والحاجة إليه:
وهذا القبيل من العلم -أعني التصريف- يحتاج إليه جميع أهل العربية1 أتم حاجة، وبهم إليه أشد فاقة؛ لأنه ميزان العربية، وبه تعرف أصول كلام العرب من الزوائد الداخلة عليها، ولا يوصل إلى معرفة الاشتقاق إلا به, وقد يؤخذ جزء من اللغة كبير بالقياس، ولا يوصل إلى ذلك إلا من طريق التصريف؛ وذلك نحو قولهم: إن المضارع من فَعُل لا يجيء إلا على يَفْعُل بضم العين، ألا ترى أنك لو سمعت إنسانا يقول: كرُم يكرَم بفتح الراء من المضارع، لقضيت بأنه تارك لكلام العرب, سمعتهم يقولون: يكرم أو لم تسمعهم؛ لأنك إذا صح عندك أن العين مضمومة من الماضي قضيت بأنها مضمومة في المضارع أيضا قياسا على ما جاء. ولم تحتج إلى السماع في هذا ونحوه2, وإن كان السماع أيضا مما يشهد بصحة3 قياسك. ومن ذلك أيضا قولهم: إن المصدر من الماضي إذا كان على مثال أَفْعَلَ يكون مفعلا -بضم الميم وفتح العين- نحو: أدخلته مُدْخَلا، وأخرجته مُخْرَجا، ألا ترى أنك لو أردت المصدر من أكرمته على هذا الحد لقلت: مُكْرَما قياسا، ولم تحتج فيه إلى السماع، وكذلك قولهم: كل اسم كانت في أوله ميم زائدة مما يُنقَل ويُعمَل به فهو مكسور الأول، نحو مِطْرَقة ومِرْوَحة، إلا ما استُثني4 من ذلك. فهذا لا يعرفه إلا من يعلم أن الميم زائدة، ولا يعلم ذلك إلا من طريق التصريف، فهذا ونحوه مما يستدرك من اللغة بالقياس.
__________
1 ظ، ش: اللغة، وهامشهما: الأدب.
2 ظ: أو نحوه.
3 ص: لصحة.
4 ص: أستثني له, وظ: أستثني به وفوق به: نسخة، وما أثبتناه عن ش.

الصفحة 2