كتاب المنصف لابن جني، شرح كتاب التصريف لأبي عثمان المازني

وأرى أنهم استغنوا بالمفتوح عن المكسور لخفة الفتحة، فهذا ما يحتمله القياس وهو أحسن من أن تحمل الكلمة على الشذوذ ما1 وجدتَ لها2 ضربا من القياس.
فإن قلت: فإنَّا لم3 نسمعهم يقولون: يَسْلَف -بفتح اللام- فما تنكر أن يكون هذا يدل على أنهم لا يريدون: سَلِفَ على وجه، إذ لو كان مرادا عندهم لقالوا في مضارعه: يَسْلَفُ، كا أن من يقول: قد عَلْمَ فيُسكن عين الفعل، لا يقول في مضارعه إلا: يَعْلَمُ، فالجواب أنهم لما4 لم ينطقوا بالمكسور على وجه واستغنوا عنه بالمفتوح، صار عندهم كالمرفوض الذي لا أصل له واجتمعوا على مضارع المفتوح.
وهذا ينبغي أن يكون مما ذكره سيبويه: أنهم يستغنون فيه بالشيء عن الشيء حتى يكون المستغنى عنه مسقطا لا سيما إذا دلت عليه دلالة وهي تسكينهم عين الفعل، وهذا التسكين لم نره في المفتوح البتة.
فإن قلت: إنا5 قد رأيناه في هذا الحرف، فإن نفس الشيء6 المتنازع فيه لا يكون حجة على7 الخصم، إنما يكون حجة ما قد ثبت بلا خلاف، فأما ما الخلاف واقع فيه فلا يكون حجة، ونظير هذا الذي ذهبت إليه في هذه الكلمة من أنهم أسكنوا عينها من مكسور لم ينطقوا به وكأنهم قد نطقوا به, ما ذهب إليه أبو علي في قول الكميت:
وبالعذوات منبتنا نضار ... ونبع لا فصافص في كبينا
__________
1 زادت ظ، ش في هذا الموضع كلمة: قد.
2 ظ، ش: له.
3 ص وهامش ظ: لم, وظ، ش: لا.
4 لما: ساقط من ظ، ش, وسقوطه يفسد المعنى.
5 ظ، ش: فإنا.
6 الشيء: ساقط من ظ, ش.
7 ظ، ش: عن.

الصفحة 22